إعداد: محمد سليمان

مقدمة:

كثر الحديث في الفترة القريبة الماضية عن تحشيدات عسكرية من قبل القوات التركية وحلفائها من فصائل الجيش الوطني، وعن التحضير لعملية عسكرية هدفها السيطرة على منطقة تل رفعت ومنبج على حساب القوات الكردية وقوات النظام في المنطقة، ولكن حتى اللحظة يبدو أنه لم يتم الاتفاق على المقابل من منطقة شمال غرب سوريا (منطقة خفض التصعيد). فهل تشكل التحركات الأخيرة لهيئة تحرير الشام تحضيراً مسبق لدفع المقابل في منطقة جبل التركمان وجسر الشغور، التي لطالما شكا منها النظام والروس، كونها تشكل حصناً منيعاً ضد قوات النظام، ونقطة انطلاق عمليات واستهدافات متكررة لمواقع النظام وحلفائه في الساحل السوري، ” هل المقابل منطقتي جبل التركمان وجسر الشغور او إحداهما؟”.

التصعيد العسكري

شهدت منطقة جبل التركمان شمال شرق اللاذقية، ومنطقة جسر الشغور تصعيداً عسكرياً خطيراً بين الحزب الإسلامي التركستاني وهيئة تحرير الشام من جهة؛ ومجموعتي (جند الشام) بقيادة مسلم الشيشاني وجند الله التي كان يقودها أبو فاطمة التركي (ويقودها حالياً أبو حنيف الأذري)، ومجموعات مستقلة من جنسيات أوروبا الشرقية من جهة أخرى. حيث شنت أرتال عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام مدعومة بالسلاح الثقيل هجوماً عنيفاً على مواقع تابعة لجماعة “جند الشام” وأخرى تابعة لجند الله في محيط بلدة اليمضية، وبلدة الشحرورة، وقرية السلور في جبل التركمان شمال شرقي محافظة اللاذقية. كما دارت اشتباكات متقطعة في الحي الشرقي والشمالي من مدينة جسر الشغور غربي محافظة إدلب. وكانت هيئة تحرير الشام قد أرسلت 5 أرتال عسكرية مدججة بالسلاح الثقيل والرشاشات المتوسطة إلى جبل التركمان وإلى محيط مدينة جسر الشغور غرب محافظة إدلب. كما استخدمت في الاشتباكات الدبابات ومدافع الهاون وقذائف الـ (ار بي جي)، بالإضافة الى الطيران المسير، وسط معلومات مؤكدة عن سقوط ضحايا من الطرفين. وعمدت قوات كبيرة مدججة بالأسلحة الثقيلة تابعة لـ هيئة تحرير الشام إلى الانتشار في مناطق الريف الغربي من إدلب، وتقطيع أوصال المنطقة وصولًا إلى جبل التركمان قبل أن يبدأ عناصر الهيئة بالهجوم على مقرات الجهاديين، واستنفار الفصائل العاملة في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، تزامنًا مع انتشار عناصر أمنية على حواجز الطرقات المؤدية إلى ريف إدلب الغربي.

ووثق مقتل ما لا يقل عن 7 عناصر من جماعة “جند الشام” وجماعة “جند الله” خلال صد هجوم هيئة تحرير الشام على نقاط تمركزهم في جسر الشغور وريف اللاذقية، كما قتل ما لا يقل عن 4 عناصر من هيئة تحرير الشام خلال تلك الاشتباكات، ليرتفع عدد القتلى إلى 11 قتيلًا من الأطراف المتقاتلة، وسط معلومات عن مفقودين وقتلى آخرين، بالإضافة إلى هؤلاء القتلى سقط العديد من الجرحى بعضهم بحالة خطيرة تم نقلهم إلى المشافي القريبة.

وعلى صعيد متصل، أسر عناصر هيئة تحرير الشام 6 عناصر من مجموعات مسلم الشيشاني والجهاديين الأتراك الأذريين، في حين تمكنت الجماعات الأخيرة من أسر 15 عنصراً من هيئة تحرير الشام، كما تمكنت هيئة تحرير الشام من السيطرة على عدة مواقع قرب قريتي اليمضية والزيتونة بجبل التركمان في ريف اللاذقية، ومواقع أخرى في جسر الشغور. ولاتزال هيئة تحرير الشام تنتشر في كامل ريف جسر الشغور الغربي، وتستقدم التعزيزات العسكرية من معسكراتها ومراكزها الأمنية في الحمامة ودركوش وجسر الشغور. وقد سارع عبد الملك الشيشاني قائد فصيل “أجناد القوقاز” إلى حل الخلاف بين الطرفين، لكن بعد خروجه من جلسة مع قيادة جماعة “جند الله” أطلقت عليه الجماعة النار وأصابته.

وعلى الرغم من أن مسلم الشيشاني اتخذ خيار المواجهة في بداية الأمر، إلا أنه بعد مفاوضات وتدخل من أطراف أخرى ولحقن الدماء، بدأ بتسليم مواقعه وخرج مع قرابة السبعين من جماعته من منطقة جبل التركمان وجسر الشغور، ذلك بحسب ما أفادت به مصادر من هيئة تحرير الشام، ونشرت الأخيرة فيديو يظهر خروج مسلم الشيشاني برفقة مجموعة مهر الدين. وتم الاتفاق بشرط تسليم المطلوبين للقضاء، وتبادل الأسرى بين الأطراف المتصارعة، تم التوصل إلى هذا الاتفاق بوساطة من الحزب الإسلامي التركستاني وجماعة الاوزبك وفصائل جهادية أخرى. بالمقابل لم يتم التوصل لاتفاق حتى اللحظة مع جماعة جند الله المتواجدة في منطقة جبل التركمان وانباء عن تجدد الاشتباكات بين الطرفين.

ردود الافعال

مع تصاعد التطورات الميدانية بشكل متسارع نشرت عدة فصائل تحت مُسمى “كبرى كتل المهاجرين في الساحة الشامية”، بياناً مشتركاً، دعت خلاله من وصفهم بالمهاجرين والأنصار، إلى وحدة الكلمة والصبر، وجاء البيان تحت عنوان “كلمة وفاء ونصيحة”، ودعا إلى ضرورة الوقوف يدا واحدة بوجه من وصفهم بـ “المجرمين والمتورطين أمنيا”، لضبط أمن واستقرار المنطقة، وتوحيد الجهود وجمع الكلمة والمشاركة ضمن غرف العمليات المشتركة العاملة بالمنطقة لمواجهة عدوان المحتل وميليشياته، بحسب البيان.

وحمل البيان المشترك توقيع كلّ من الحزب الإسلامي التركستاني – جماعة التوحيد والجهاد (الأوزبك) – جيش المهاجرين والأنصار (قوقاز) – وشام الإسلام (المغاربة) – مهاجري بلاد الحرمين (تجمع العطاء) – وجماعة الطاجيك – حركة مهاجري أهل السنة في إيران. يُضاف إلى ذلك جماعة الألبان – جماعة المالديف – جماعة أبو خالد التركي – كتيبة عقبة بن فرقد (الأذريين)، إلى جانب عدد من القادة منهم أبو معاذ المصري، وأبو الفتح الفرغلي، وأبو صفية الإيراني، وأبو قتادة الألباني، وأبو حسين الأردني، وأبو هاجر التونسي، وأبو زيد الجزائري.

أسباب ودوافع التصعيد:

  • دعا الجهاز الأمني التابع لهيئة تحرير الشام عدد من عناصر هذه المجموعات الجهادية للمثول إلى القضاء بتهم مختلفة، إلا أن عناصر المجموعات رفضوا مرات عدة.
  • إقصاء هيئة تحرير الشام للفصائل الجهادية في مناطق نفوذها، وتلميع صورتها.
  • إعطاء رسائل وتطمينات إلى دول إقليمية أنها قادرة على ضبط الأمن والسيطرة في إدلب ومحاربة التنظيمات المتشددة.
  • اتهام القائد “مسلم الشيشاني” لـ “هيئة تحرير الشام” بالكذب والخداع، في محاولة منها لتفكيك فصيله بعد طلبها تسليم سلاحه ومغادرة إدلب في وقت سابق.
  • اتهام فصيل جند الشام باحتواء عناصر مجرمة من تنظيم “الدولة الإسلامية”
  • سعي الهيئة للسيطرة على الساحة الجهادية في إدلب بشكل كامل، وفرض نفسها المتحكم والمسيطر على المنطقة دون منازع.

خلاصة:

لن تتمكن هذه الجماعات من الصمود بوجه هيئة تحرير الشام بسبب الفارق الهائل في موازين القوى، وسوف تتلاشى أو تنخرط ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، أو تنتهي في سجون الهيئة أو تتحول إلى خلايا نائمة، ولكن بلا شك سيضعف تأثيرها بسبب فقدها قاعدتها اللوجستية ومقراتها وسلاحها النوعي، وهذا ما يجعل تأثيرها لاحقا محدودا وضعيفا جداً.

وهنا يبدأ التحدي الأكبر لهيئة تحرير الشام على جبهة الساحل حيث ستضع هذه العملية الهيئة أمام تحدٍ كبير؛ وهو المحافظة على المنطقة وسد نقاط الرباط، وصد هجمات النظام وروسيا في حال كان هناك عمل عسكري. وفي حال سقوط هذه المنطقة بعد القضاء على هذه الجماعات المرابطة هناك والتي حمتها لسنوات عديدة فإن (تحرير الشام) ستكون في موقف حرج، وستتوجه إليها الاتهامات بتسليم المنطقة تلو الأخرى كما اتهمت سابقاً في حالات مشابهة.