مقدمة

تتناول هذه الدراسة أهم التغيرات التي طرأت على نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا خلال عام [1]2021 و الذي شهد العديد من التغيرات على مختلف الأصعدة سواءً السياسية حيث شهدنا تغيرا في نهج السياسة الخارجية الأمريكية بعد تولي جون بايدن السلطة كرئيس الولايات المتحدة الأميركية خلفاً لدونالد ترامب, إضافة إلى التغيرات في مواقع الفاعلين الأساسيين محليا و إقليميا, و أخيرا و ليس أخرا التطورات الاقتصادية و الاجتماعية التي نتجت عن انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم و دول المنطقة التي مزقتها الحروب و الصراعات على وجه الخصوص.

قراءة تحليلية:

ان النظر في توزع وطبيعة العمليات التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية خلال 2021 يظهر بوضوح تغيرا في طبيعة عمليات الاستهداف حيث انخفض استخدام العبوات الناسفة والمتفجرات والذي يمكن تفسيره بشح للموارد يعاني منه التنظيم او بصعوبة الوصول إلى المواد الولية التي يمكن استخدامها لتنفيذ هذه العمليات، كما أنه ما يزال من الواضح عزوف التنظيم عن تنفيذ العمليات التي تنطوي على استخدام السيارات أو الاليات المفخخة وذلك يمكن تفسيره بمحاولة التنظيم للحد من خسائره البشرية. كما يبدو من خلال الدراسة التحليلية انتقال التنظيم من الاستهدافات والعمليات المعقدة ذات التخطيط الواسع إلى شن عمليات محدودة ضد اهداف صغيرة أو ما يعرف بالأهداف اللينة والتي تكون مكشوفة في مناطق مفتوحة خلال التحركات او التي لا تحظى بمراقبة وتغطية جوية، حيث كان من الواضح غياب أي ارقام عن ضحايا أو قتلى من الجانب الروسي سواءً نتيجة للتعتيم الإعلامي الذي تفرضه روسيا حول هكذا عمليات وأيضا لأن القوات الروسية تتحرك وفق نسق عسكري معين يتضمن تغطية جوية للقوات الروسية في المناطق المكشوفة والساخنة.

ما الذي اختلف؟

على الرغم من بقاء الهجمات السريعة و الخاطفة لتنظيم الدولة هي النمط الأكثر حصولا من ناحية نوع الهجمات المنفذة و تليها في المركز الثاني الهجمات التي تعتمد على المتفجرات و العبوات الناسفة, إلا أن الاختلاف الرئيس في عام 2021 هو انخفاض عدد العمليات المنفذة بالعبوات الناسفة مقارنة بعام 2020 و ذلك بما يقارب 15% من اجمالي هذه العمليات و بينما كانت الهجمات التي تتضمن استخدام الأسلحة الخفيفة متساوية تقريبا خلال عامي 2020 و 2021 إلا أنه كان من الملاحظ وجود ارتفاع ملحوظ في العمليات العسكرية التي تعتمد على استخدام الأسلحة متوسطة المدى مقارنة بالأسلحة قريبة المدى, حيث ارتفع عدد عمليات القصف المدفعي بأكثر من الضعف و التي استهدفت بشكل أساسي مقرات الميليشيات المدعومة من قبل إيران و المتمركزة في محافظة دير الزور بينما كانت قوات النظام السوري و الميليشيات الموالية له إضافة لقوات سوريا الديمقراطية هي الهدف الأساسي للعمليات العسكرية المباشرة و التي تركزت بشكل أساسي على طول خطوط الحركة و التنقل في البادية السورية إضافة إلى الجهة الجنوبية من نهر الفرات في القطاع الشرقي من ريف محافظة دير الزور. كلا هذين النوعين من العمليات القتالية شهد تطوراً لافتا في عام 2021 ألا وهو انتقال التنظيم لاستهداف القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها بشكل مكثف مقارنة بعام 2020 فعلى سبيل المثال ارتفع عدد الهجمات المباشرة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية ضد الميليشيات الموالية لإيران من 3 عمليات فقط خلال عام 2020 إلى ما يزيد عن 50 عملية خلال عام 2021[2] وبالمجمل يمكن القول إن عمليات تنظيم الدولة ضد مختلف الميليشيات الموالية لإيران قد ارتفع بما يقارب 125% بين عامي 2020 و2021. هذا التغير الواضح في الجهات التي يستهدفها التنظيم يأتي على خلفية العقبات المتزايدة التي  يواجهها التنظيم من ناحية القدرة على التحرك والتنفيذ في مناطق قوات سوريا الديمقراطية مقارنة بمناطق البادية السورية، أيضا مع غياب الإعلام الرسمي


[1] حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2021

[2] حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2021

لتنظيم الدولة الإسلامية يصبح من الصعب الجزم بشكل قاطع فيما إذا كانت العمليات المختلفة ضد هذه الميليشيات هي فعلا منفذة من قبل عناصر التنظيم نفسه أو من قبل أشخاص محليين باستخدام أساليب تنفيذ مشابهة لأساليب التنظيم و بالتالي يمكن تفسير هذه الاستهدافات أيضاً كرد فعل أيديولوجي على انتشار عمليات التشييع التي تنفذها جهات إيرانية مختلفة تحت غطاء وحماية من قبل الميليشيات الموالية لإيران. ما يقارب من نصف هذه العمليات وقعت على الطريق الواصل بين مدينتي تدمر و دير الزور و الذي يعتبر أحد أهم خطوط الدعم و الإمداد لهذه المليشيات المتمركزة في بادية دير الزور و يمكن أيضا اعتبار هذا العدد الكبير من العمليات على طول هذا الطريق مؤشرا لارتفاع وتيرة تحركات هذه الميليشيات على طول خطوط إمدادها و الذي يعتبر أمرا طبيعيا استنادا إلى التوتر الذي شهده الريف الشرقي لمحافظة دير الزور بين مختلف الفاعلين الإقليميين ولاسيما بين الميليشيات الموالية لإيران و القوات الأمريكية المنتشرة على الضفة الشمالية لنهر الفرات.

من ناحية أخرى في عام 2021 انخفض عدد العمليات المنفذة ضد المدنيين العاملين مع قوات سوريا الديمقراطية ضمن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمقدار طفيف مقارنة مع عدد هذه العمليات عام 2020. بالمجمل كان المدنيون على مختلف انتماءاتهم سواء العاملين مع النظام السوري أو مع الإدارة الذاتية أو باقي المدنيين هم الأكثر استهدافا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية بما يقارب حوالي 30% من مجمل العمليات يليهم قوات سوريا الديمقراطية و قوات النظام السوري بنسب متقاربة حوالي 22% من مجمل العمليات ثم الميليشيات الموالية لإيران, على الرغم من هذا التوزيع في عدد الاستهدافات فقد تكبدت قوات النظام السوري العدد الأكبر من الخسائر البشرية بما يقارب 40% من عدد الضحايا و القتلى الإجمالي لعام 2021 نتيجة لعمليات تنظيم الدولة الإسلامية.

تحليل الخسائر البشرية

على الرغم من أنه و للوهلة الأولى يمكننا القول أن نشاط التنظيم قد شهد انخفاضا في مختلف المناطق لكن استنادا للإحصائيات و الأرقام فإن هذا التغيير ليس بالشيء المذكور حيث أن عمليات التنظيم في 2021 قد انخفضت فقط 5% مقارنة بعام 2020 و لكن في نفس الوقت يبدو أن التنظيم استخدم نهجا مختلفا في الاستهداف و التأثير, حيث على الرغم من هذا الانخفاض الطفيف في عدد العمليات بشكل عام إلا أنه طرأت زيادة ملحوظة على عدد ضحايا العمليات التي شنها التنظيم بما يقارب 15% مقارنة بعدد الضحايا و القتلى الذين سقطوا خلال عام 2020. من الصعب التنبؤ بالسبب الرئيسي لهذا التغير والازدياد في عدد الضحايا والقتلى، ولكن ذلك يعكس بلا شك نوعا من التردي في قدرة مختلف الفاعلين على اتخاذ تدابير كافية تتعلق بحماية مقاتليهم ومنتسبيهم أمام هجمات تنظيم الدولة. وكما سبق ذكره فقد تكبدت قوات النظام السوري ما يقارب 40% من مجمل هذه الخسائر البشرية بينما تكبدت قوات سوريا الديمقراطية ما يقارب 10% بنسبة مقاربة لضحايا الميليشيات الموالية لإيران. لكن من الجدير بالذكر أن عام 2021 شهد زيادة ملحوظة في عدد الضحايا في قوات النظام السوري بما يقارب 12% عن العام السابق 2020 , من الملاحظ أيضا الارتفاع الكبير في عدد الضحايا والقتلى في صفوف الميليشيات الموالية لإيران بنسبة عالية جداً مقارنة مع عام 2020.

الخلاصة

تظهر الأرقام في هذه الدراسة التحليلية أنه ما زال من المبكر الحكم أن تنظيم الدولة الإسلامية قد فقد قدرته على تنفيذ العمليات المختلفة حيث من الواضح أنه ما يزال قادرا على التحرك وتنفيذ مختلف أنواع العمليات خاصة في المناطق المفتوحة كالبادية السورية.