مقدمة:

سنتناول في هذا التقرير التصعيد العسكري الاخير بين فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات في الشمال السوري، والعلاقة بينه وبين تطورات الموقف التركي والتصريحات الاخيرة المتكررة نحو امكانية تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ووفقا لما نصت عليه اتفاقيات وتفاهمات أستانا التي جمعت النظام السوري وإيران وروسيا وتركيا بالإضافة إلى التشكيلات المنضوية تحت راية «الجيش الوطني السوري»، وهو التفاهم الكامل على عودة هذه المناطق إلى سلطة النظام السوري ولو «رمزياً» دون دخول الجيش أو القوى أمنية، وهل حقق هذا التصعيد الاخير مبتغاه عقب انتهائه، حيث أنه من المعلوم أن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون هي مناطق نفوذ الجيش التركي، ومن الصعب جدا التصرف والتحرك عسكريا ضمنها من دون ضوء أخضر من الجانب التركي.

اسباب الاقتتال:

في العاشر من أكتوبر الجاري، اغتيل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم وزوجته الحامل وسط مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وبعد التقصي والبحث توصلت الشرطة العسكرية والفيلق الثالث في “الجيش الوطني السوري” إلى الفاعلين، وأظهرت التحريات والاعترافات أن منفذي الاغتيال عناصر يتبعون لـ”فرقة الحمزة”، وكانوا تلقوا أوامر من قادة فيها باغتيال غنوم، ولدى اعتقال المتورطين تحول المشهد إلى توتر عسكري بين الطرفين (الفيلق الثالث والحمزة)، تسببت حادثة الاغتيال في غليان شعبي بالمنطقة، مما دفع “الفيلق الثالث” إلى قرار إنهاء الوجود العسكري لـ”فرقة الحمزة” في مدينة الباب وريف حلب بالعموم، لتورط عناصر تابعة لها في الاغتيال وعدد من الانتهاكات السابقة، وبدأت عمليات عسكرية واسعة بين الطرفين، في الأثناء، وبشكل مفاجئ أرسلت “هيئة تحرير الشام” حشودا عسكرية من إدلب عبرت معبر الغزاوية (الفاصل بين مناطق سيطرتها في إدلب ومناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” في حلب) معلنة أنها دخلت إلى المنطقة لإنهاء الاقتتال وإعادة الأمن، قبل أن تتحول إلى طرف يقاتل “الفيلق الثالث” ويجعله ينسحب من مدينة عفرين.

دوافع التدخل والصراع للأطراف الاخرى:

• بالنسبة لهيئة تحرير الشام تشكل السيطرة على مدينة عفرين أهمية وأولوية، لكونها بوابة رئيسية على ريف حلب ومن أهم مدن شمال غربي سوريا من الناحية الإستراتيجية والعسكرية، كما أن الاقتتال يندرج ضمن الصراع على المعابر التجارية والحواجز بين مناطق السيطرة في سوريا، والاستيلاء على المكاسب الاقتصادية.

• الاحتقان الفصائلي المتواجد بشكل دائم لأسباب كثيرة أهمها النزاع على مناطق النفوذ الداخلية وما يمكن أن تتوفر عليه من موارد اقتصادية، ولا يلبث أن يتحول إلى اقتتال بمجرد توفر اي حجة أو سبب لذلك ” مثل موضوع تصفية الاعلامي أبو غنوم وزوجته”.

• تفكيك فصائل ودمج أخرى وظهور تشكيلات أكثر تنظيما وانضباطا وقدرة على مواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة والتي تتراوح بين ترتيب حل سياسي تكون المعارضة المسلحة جزءاً منه وفق التفاهمات التركية – الروسية أو إعلان فشل النظام في إنهاء تهديد «قسد» وبالتالي دخول المنطقة الشرقية ” منطقة الفرات”

• تهيئة المنطقة في ظل ماتعاني منه من فوضى أمنية وعسكرية بالإضافة لغياب الادارة المركزية من أجل الوصول إلى هدف محدد وهو خلق إدارة مركزية للشمال، بيد قوة واحدة تتسلم منطقة إدلب والأرياف المحيطة بها، لعمق أمني معين، وتدير المعابر، وذلك لترتيب المنطقة بما يتناسب مع توجه أنقرة للمرحلة المقبلة بحيث تستطيع هذه الأخيرة الايفاء بالتزاماتها الدولية بدقة، في خطوة أولية لتطبيق مذكرة 5 مارس 2020 بخصوص إدلب، والتي تعتبر وثيقة وبروتوكولًا استرشاديًا يضاف إلى مذكرة خفض التصعيد (2017)، لترسيخ اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.

• إبراز قوة الجانب التركي وتأثيره على المنطقة ومحاولة الحصول هلى مكاسب وتفاهمات محددة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي وهو ماتبين جليا وأظهر قدرة تركيا على السيطرة على الوضع وانهاؤه متى شاءت.

تطورات الصراع:

في 10 أكتوبر نشرت عدة فصائل من الجيش الوطني تعزيزات في مدينة الباب لدعم الشرطة العسكرية ضد محاولة مستمرة لفرقة الحمزة لإطلاق سراح أحد أعضائها قسراً من مستشفى الباب، حيث أصيب عضو فرقة الحمزة بجروح في وقت سابق أثناء محاولته التهرب من الشرطة العسكرية أثناء محاولة اعتقاله لقتله ناشط إعلامي وزوجته في 7 أكتوبر، ونتيجة لذلك اندلعت اشتباكات داخلية بين فصائل الجيش الوطني (الجبهة الشامية من جهة وفرقة الحمزة من جهة أخرى) في مدينة الباب.

وفي 11 اكتوبر شهدت المنطقة اشتباكات مسلحة تزامنا مع قصف مدفعي بين الجبهة الشامية / الفيلق الثالث وفرقة الحمزة في أطراف مدينة الباب وبلدة بزاغة شرقا، وسيطرت الجبهة الشامية خلال الاشتباكات على مقر فرقة الحمزة في مدينة الباب وبلدة الغندورة بريف جرابلس. كما اندلعت اشتباكات بين الطرفين في قرية الباسوطة بريف عفرين في 12 أكتوبر، وفي هذه الاثناء وصلت تعزيزات عسكرية لهيئة تحرير الشام الى أطراف قرية الباسوطة جنوب مدينة عفرين عبر معبر الغزاوية الرابط بين مناطق شمال غرب سوريا مناطق هيئة تحرير الشام و منطقة غصن الزيتون التي تسيطر عليها المعارضة، وقامت فرقة الحمزة بإغلاق طريق عفرين – الغزاوية بقرية الباسوطة على خلفية أنباء غير مؤكدة عن استعدادات جبهة الشامية (الفيلق الثالث) لعملية عسكرية محتملة ضد فرقة الحمزة في منطقة غصن الزيتون (منطقة عفرين)، عقب ذلك أغلقت هيئة تحرير الشام أيضاً معبر الغزاوية في مناطق سيطرتها، واندلعت اشتباكات داخلية بين فصائل الجيش الوطني (جبهة الشامية وفرقة السلطان شاه) في منطقتي معبطلي وجنديرس بريف عفرين، نتيجة لذلك تم قطع طريق عفرين – جنديرس المؤدي إلى معبر دير بلوط – أطمة، وبعد معارك استمرت عدّة أيام بين الطرفين، تقدمت بها تحرير الشام من محورين حتى سيطرت على جنديرس وعفرين، فيما انسحب «الفيلق الثالث» إلى منطقة كفرجنة غرب إعزاز لتبدأ المفاوضات بعدها. وفي 15 أكتوبر توقفت الاشتباكات في قرية كفر جنة بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام وانتهى الخلاف، وانسحبت التعزيزات العسكرية لهيئة تحرير الشام من منطقة عفرين بتواجد القوات الأمنية للسيطرة على الأوضاع الأمنية في المنطقة، كما توقفت الاشتباكات بين قوات الحمزة والفيلق الثالث في منطقة الباب في نفس اليوم ، وفتحت جميع الطرق المغلقة في محيط المدينة، كما تم فتح الطريق بين أعزاز وإدلب مؤقتًا بعد إغلاقه خلال فترة الاشتباكات إثر اتفاق موقع بين الأطراف المتنازعة ، أدى إلى إعلان انسحاب هيئة تحرير الشام من المنطقة.

في 16 أكتوبر ، تم تجهيز قافلة تابعة لهيئة تحرير الشام لتسيير دوريات في مدن EUS الرئيسية (أعزاز ، وأخترين ، ومارع ، وجرابلس ، والباب) ، ولكن نتيجة احتجاج المدنيين على وجود هيئة تحرير الشام، حيث شهدت مدن وبلدات في ريف حلب التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني السوري”، تظاهرات وقطع طرقات رفضاً لدخول أرتال من “هيئة تحرير الشام” إليها، ونُظّمت في أكثر من 15 منطقة أبرزها مارع واعزاز وصوران وجرابلس تظاهرات وإغلاق طرقات رئيسية رفضاً لمرور رتل “هيئة تحرير الشام” في هذه المناطق بحسب ما نص عليه اتفاق الصلح الأخير ، بالإضافة الى رفض بعض الاطراف ضمن الفيلق الثالث للاتفاق، ما أدى لتأجج الموقف الأمني مجدداً بين الأطراف المتنازعة وتجددت الاشتباكات وتقدمت هيئة تحرير الشام التي سيطرت على بلدات وقرى خرابة شران، وناحية شران، ودير صوان، وقسطل جندو، وأناب، والخالدية، ومريمين، وقطمة، وكفرجنة بين مدينتي عفرين واعزاز، في غضون ذلك اندلعت اشتباكات بين الفيلق الثالث وكلاهما (أحرار الشام والحمزات) في قرية كفر غان شرقي مدينة اعزاز قرب الخط الحدودي التركي.

ليقوم الجانب التركي بعدها بالتدخل وايقاف الاشتباكات، وذلك عقب نشر سفارة الولايات المتحدة الأميركية على “فيسبوك” بياناً عبّرت فيه عن قلق عميق إزاء أعمال العنف الأخيرة في شمال غرب سورية، مطالبة جميع الأطراف بـ”حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم”، وفرض اتفاق على الاطراف المتنازعة، وان لم يكن واضح المعالم حتى اللحظة ولكن وفقا لما تم تسريبه فقد نص الاتفاق على أن تتسلم الهيئة المؤسسات الخدمية والاقتصادية، وتتولى إرساء الأمن في عفرين، وتنشر عناصرها عند المعابر الفاصلة مع مناطق قوات النظام والأكراد، وتخرج الفصائل من المدن بشكل كامل، ويكون لها ترتيب آخر في قادم الأيام، كما دخلت “هيئة ثائرون” والتي تضم فصائل كثيرة أبرزها (السلطان مراد والمنتصر وفيلق الرحمن وفيلق الشام ولواء المعتصم ولواء الوقاص ولواء السمرقند والفرقة التاسعة وحركة نور الدين الزنكي) للفصل بين الطرفين، وتسلّمت المواقع التي سيطرت عليها “تحرير الشام”، وعاودت الهيئة الانسحاب إلى مدينة عفرين، حيث تسلّمت نقاط وحواجز الفيلق في كفرجنة من “هيئة تحرير الشام”، وأهمها الحاجز الرباعي، وحاجز الإدارة العسكرية، ومبنى وزارة الدفاع، وبلغت حصيلة الضحايا من المدنيين والعسكريين جراء الاشتباكات قرابة 58 بين قتيل وجريح.

خاتمة:

بين اتفاق تهدئة وعودة الاقتتال، يؤكد تدخل “هيئة تحرير الشام” وهو التدخل الثاني في المنطقة على ضرورة تبني شكل وآلية جديدة لمناطق النفوذ في شمال غربي سوريا، كما أظهر مدى الضعف والتفكك في فصائل المعارضة، والتي من الممكن اعتبارها رسالة تحذيرية من الاطراف الفاعلة “ويمكن الحديث هنا عن الجانب التركي خصوصاً” لفصائل المعارضة عقب الفشل والنزاعات والتدهور الامني في المنطقة، والتأكيد على ضرورة العمل المشترك والتنسيق على كافة الاصعدة الامنية والعسكرية والادارية لضمان ادارة ناجحة للمنطقة وتلقى القبول والاعتراف على الصعيدين المحلي والدولي، وتكون نقطة قوة للأطراف الفاعلة للرهان عليها في المحافل الدولية وأمام الاطراف الأخرى سواء النظام السوري أو قوات سوريا الديمقراطية.