تقدير موقف

مقدمة:

بعد قطيعة دامت 11 عاما اجتمع في موسكو الأربعاء 28 ديسمبر وزيرا الدفاع التركي والسوري، وبحضور ومشاركة نظيرهما الروسي، وفيما يلي متابعة للاجتماع المنعقد بين الجانبين الروسي والتركي على مستوى عسكري واستخباراتي في موسكو.

 


مقدمات في مراحل التغيير في الملف السوري:

 بدأت التغيير في السياسة التركية تجاه الملف السوري منذ التدخل العسكري الروسي في سورية في أيلول/سبتمبر 2015، والذي أدى إلى توتر كبير في العلاقة بين أنقرة وموسكو، خصوصًا بعد إسقاط تركيا طائرة مقاتلة روسية على الحدود مع سورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. وقد وصلت العلاقات بين البلدين إلى حافة الانهيار بعد أن فرضت موسكو عقوبات اقتصادية على أنقرة، وقد تزامن تدهور العلاقات بين البلدين مع الأزمة التي مرّت بها العلاقات التركية – الأميركية؛ بسبب تحالف واشنطن مع وحدات حماية الشعب الكردية في سورية، ودعمها لتلك القوات لمواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”. نتيجة لذلك، بدأت أنقرة في ربيع 2016 تُعيد النظر في سياستها مع سورية، وقد تسارع هذا التغيير بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في تموز/يوليو 2016؛ إذ أعرب الرئيس بوتين خلالها عن تضامنه مع أردوغان الذي اتهمت أوساط قريبة منه دوائر غربية بالتورط في المحاولة الانقلابية.

 حيث دفع التحالف الذي أنشأته واشنطن مع “قسد” إلى تغيير أولويات أنقرة في سورية، فقد سعت إلى دفع التهديدات التي تواجه أمنها القومي عبر ضبط الحدود ومنع نشوء كيان كردي على تخومها الجنوبية. وأدى ذلك إلى تمهيد الطريق أمام تفاهمات تركية روسية كان جوهرها تخلي أنقرة عن سياسة تغيير النظام في دمشق مقابل تعاون موسكو في منع قيام كيان كردي على الحدود مع سورية.

كذلك جرى اتفاقٌ بين تركيا وموسكو لإجلاء فصائل المعارضة عن القسم الشرقي من مدينة حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016، ثم جرى إطلاق مسار أستانة مطلع عام 2017، الذي أدى إلى تجميد الصراع بين النظام والمعارضة عبر إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد (بسط النظام سيطرته على ثلاث منها)، وصولًا إلى موافقة أنقرة على مقترح إنشاء اللجنة الدستورية لحل الأزمة السورية، والذي برز خلال مؤتمر سوتشي في كانون الثاني/يناير 2018، إلا أن هذه الخطوات وقفت دون تغيير حقيقي في الملف السوري ولم يقدم أي خطوات إيجابية في ملف اللاجئين الذي أصبح أداة سياسية بيد المعارضة التركية ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم .


مخاوف حزب العدالة والتنمية:

منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة مطلع عام 2021، أخذ التغيير في السياسة الخارجية التركية منحًى أكثر شمولًا وعمقًا في إطار مقاربة ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية. فمع تعيين بريت ماكغورك، المعروف بموقفه السلبي من تركيا وعلاقاته الوثيقة مع القوى الكردية، مسؤولًا عن منطقة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، تزايدت مخاوف أنقرة من تنامي الدعم الأميركي للأكراد في شمال شرق سورية، وكانت أنقرة متوجسة أصلًا من الخطاب الحاد الذي تبنّاه بايدن خلال حملته الانتخابية تجاه أردوغان؛ فقد دعا إلى دعم المعارضة التركية في سبيل إسقاطه “عبر العملية الانتخابية”، وهذا كما ذكرنا هاجسا عند العدالة والتنمية.

 


اجتماع موسكو ومخرجاته:

المشاركين:

وزير الدفاع السوري العماد علي عباس و اللواء عبد الكريم إبراهيم رئيس هيئة الأركان واللواء حسام لوقا مدير جهاز المخابرات العامة، في حين ضم الوفد التركي وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ومدير جهاز المخابرات حقان فيدان، بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ومدير جهاز المخابرات الروسي، وتم خلال الاجتماع مناقشة الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سوريا مقترحات، وفق التالي:


لائحة الشروط التي قدمها الجانب السوري:

جدولة العمليات العسكرية التركية ضمن الأراضي السورية وتحديد سقف زمني يتم بانتهائه انسحاب كافة القوات التركية من الأراضي السورية.

بدء الإجراءات الفورية لتسهيل عودة المؤسسات الرسمية للدولة السورية الى مناطق شمال غرب سوريا.

دعم الجيش السوري للسيطرة على المعابر الرسمية مع الجانب التركي.

تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمتابعة ملف المطلوبين للأجهزة الأمنية من المتورطين في جرائم إرهابية وجرائم تمس أمن الدولة من المقيمين ضمن الأراضي التركية وتقدم دمشق دعم لوجستي ومعلوماتي فيما يتعلق بملف التنظيمات الإرهابية المدرجة على قوائم الجانب التركي والتي تنشط في مناطق شرق الفرات.

اتخاذ أنقرة خطوات جدية لتجفيف منابع تمويل مؤسسات المعارضة بشقيها المسلحة والسياسية.

بدء التدابير لفتح الطرقات الدولية M4 – M5 وتقديم أنقرة خطوات ملموسة لدعم الحكومة السورية في مواجهة العقبات الاقتصادية.


الشروط المقترحة من قبل الجانب التركي:

تكليف لجان أمنية & عسكرية ثلاثية (روسية – تركية – سورية) لمناقشة خطة تعديل اتفاقية أضنة ومنح الجيش التركي تسهيلات ضمن عمق 33 كم لمواجهة التهديدات التي تستهدف الامن القومي التركي مع إمكانية مناقشة الجدول الزمني لعمليات الجيش التركي في سوريا كبند ملحق لاتفاقية أضنة المعدلة.

اتخاذ الجيش السوري وبالتعاون مع الجانب الروسي إجراءات ميدانية لاحتواء التهديدات التي تستهدف الأمن القومي التركي في مناطق شرق الفرات وبشكل فوري على ان يتم وضع جدول زمني لإنهاء التهديدات الإرهابية من داخل الأراضي السورية وفي حال تعذر تنفيذ البند منح الجيش التركي التسهيلات اللازمة للبدء بالعمليات العسكرية.

تكليف لجنة على مستوى أجهزة استخبارات الدول الثلاث لاعتماد مدن مركزية في وسط وشمال سوريا خاضعة لسيطرة الدولة السورية ليتم بدء الإجراءات اللازمة لتأهيل البنية التحتية فيها لتسهيل عودة اللاجئين على ان تكون هذه المدن اختبارا لجدية الجانب السوري في توفير التسهيلات الأمنية والمعيشية اللازمة لعودة اللاجئين وبإشراف روسي – تركي مشترك وفي حال تم نجاح خطة إعادة اللاجئين يتم توسيع الخطة لتشمل في المرحلة الأولى محافظات حماه وادلب ولاحقا بقية المحافظات.

ضمانات من قبل الجانب السوري لتسهيل إعادة كافة الممتلكات التي تمت مصادرتها سابقا.

إمكانية مناقشة الإجراءات اللازمة لتسهيل فتح الطرقات الدولية واستعداد أنقرة الفوري لفتح معابر تجارية مؤقتة بين مناطق سيطرة الدولة السورية والمعارضة المسلحة.


 المقترحات الروسية:

تشكيل لجنة ثلاثية دائمة لاستمرار المشاورات بين الجانبين.

إمكانية تنفيذ جزئي للوائح الشروط المقترحة من قبل الجانبين من خلال المشاورات المقرر استكمالها في المرحلة المقبلة.

اتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد اجتماعات رسمية على مستوى وزراء خارجية البلدين في المرحلة القريبة القادمة ” وتتمسك موسكو بضرورة لقاء وزيري خارجية البلدين خلال فترة يناير المقبل”.

رفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب في كافة المناطق السورية.


 مخرجات الاجتماع:

خلال الاجتماع لم يتم الاتفاق على أي بنود محددة حيث تم استلام لوائح شروط الطرفين والاتفاق على استكمال المشاورات في يناير المقبل، وأكد اتفاق المجتمعين خلال اللقاء “الذي عقد في أجواء بناءة”، على استمرار الاجتماعات الثلاثية “من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة”.

اللواء علي عباس فور عودته الى دمشق قدم تقريره الى المكتب الخاص في القصر الجمهوري وبالرغم من الضغوط الروسية لحصر الملف ضمن صلاحيات لجنة ثلاثية تضم كلا من قيادة أركان الجيش وجهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز امن الدولة إلا ان الضغوط الإيرانية عرقلت الجهود الروسية وصدرت عن المكتب الخاص في القصر الجمهوري تعليمات بتفويض اللواء علي مملوك بإدارة الملف بشكل كامل، وتم إبلاغ الجانب الروسي باستعداد دمشق لعقد لقاء على مستوى أجهزة استخبارات البلدين ” اللواء علي مملوك عن الجانب السوري” لمناقشة الشروط الأمنية المقترحة من قبل الجانب السوري وخطة التنسيق الأمني المشترك بين الجانبين.

طهران استطاعت حتى تاريخه عرقلة الاجتماع السوري- التركي لا سيما فيما يتعلق بتشكيلة الوفد الممثل للجانب السوري حيث كان المقترح الروسي بأن يضم الاجتماع كلا من وزير الدفاع العماد علي عباس ونائب رئيس هيئة الأركان اللواء مفيد الحسن واللواء علي مملوك مستشار رئاسة الجمهورية للشؤون الأمنية والعسكرية واللواء حسام لوقا مدير جهاز امن الدولة إلا ان السفارة الإيرانية بدمشق وبالتنسيق مع مكتب استخبارات الحرس الثوري مارست ضغوطا غير مسبوقة لعرقلة مشاركة كلا من اللواء علي مملوك واللواء مفيد الحسن في الاجتماعات كون اللواء علي مملوك مخول باتخاذ قرارات نهائية بصفته ممثلا عن الرئيس بشار الأسد.

السفارة الروسية بدمشق لا زالت تمارس ضغوطا على مستوى القصر الجمهوري وقيادة الأركان لاتخاذ إجراءات فورية للتجاوب مع الشروط التركية بالتزامن مع مشاورات مكثفة مع الجانب التركي لا سيما فيما يتعلق باللقاءات المقترحة على مستوى وزراء خارجية البلدين إلا انه لم يتم حتى تاريخه اتخاذ أي قرارات نهائية من قبل الجانب السوري. 


الدلالات السياسية للموقف التركي المتطور للتعاطي مع نظام الأسد

1) تركيا في هذا التوقيت الحرج داخليا نتيجة الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة تريد قطع الطريق على المعارضة التي دائما ما تهدد بالتواصل مع النظام عند استلام السلطة لحل ازمة اللاجئين

2) الوضع الدولي المتوتر نتيجة الحرب في أوكرانيا أي رفض تركي للمقترحات الروسية تريد تركيا الحفاظ على الدعم الروسي لها ولعب دور في كافة القضايا الدولية من ازمة الغذاء الى الغاز ……الخ

3) التفاهم الإقليمي المتزايد خلال الفترة الأخيرة بين الدول العربية وتركيا سيشكل حلفا ضد ايران وتأتي الخطوة التركية في احراج النظام ووضعه في مواجهة ايران التي تعارض أي تقارب له مع محيطه الإقليمي

4) تسعى تركيا الى محاصرة حزب العمال الكردستاني من خلال التضييق عليه من كافة الأطراف

5) والاستفادة من نفوذ النظام السوري لدى حزب العمال الكردستاني

6) مكافحة التنظيمات الإرهابية والاستفادة من كل الجهود الإقليمية في ذلك.


خاتمة :

يشكل التقارب التركي السوري مصلحة ومنفعة متبادلة للطرفين في ظل ما يعيشه الطرفين من أوضاع وازمات داخلية، لكن هذا التقارب يصطدم حتى اللحظة بمعارضة كبيرة من الداخل السوري المحرر على الصعيدين المدني والعسكري وما تبعه من تصعيد خلال الفترة القريبة الماضية، بالإضافة الى المعارضة الامريكية للتعامل مع هذا النظام وهو ما يترك الباب مفتوحا أمام الكثير من التوقعات والسيناريوهات المحتملة لهذا التقارب، وكذلك تحديات كبيرة تواجه إمكانية حصول تقارب بين أنقرة ودمشق، أهمها ارتباطها بإيجاد حل سياسي عادل للأزمة السورية التي لا يمكن اختصارها بطبيعة العلاقة بين تركيا والنظام السوري، بالنظر إلى العقوبات المفروضة على النظام مع غياب مقاربة شاملة للحل مع تفاقم التوتر في العلاقة بين موسكو وواشنطن نتيجة الصراع في أوكرانيا واحتدام التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى في النظام الدولي.

تابع حساباتنا
5/5

اقراء أيضاً ...