مقال للشيخ خالد الحماد

الخوارج بين الماضي والحاضر (1)

 

الخوارج فرقة من فرق المسلمين، نشأت بذرتها في عصر النبوة، وهي من أول الفرق ظهورا، وقد حذَّر منها النبيُ صلى الله عليه وسلم، وبيّن خطرها على الأمة.

فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:

( أتى رجلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة مُنصرفهُ من حُنيَن، وفي ثوبِ بلال فضة، ورسول الله يقبضُ منها يُعطي الناسَ فقال : يا محمد اعدل، قال : (وَيلُك ومن يعدل إذا لم أكُن أعدل) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال : (معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتلُ أصحابي، إنَّ هذا وأصحابَه يقرؤون القرآنَ لا يُجاوزُ حناجرهم يمرقون منه كما يمرقُ السهمُ من الرمية).

 

ووقعت قصةٌ أُخرى في السنة التاسعة بعد بعث علي رضي الله عنه إلى اليمن وكان المقسوم فيها ذهبا، وخصَّ به أربعة أنفس كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:

بعثَ عليٌ رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله فقسّمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن عُلاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان،

 قال: فغضبت قريش فقالوا: أَيُعطي صناديدَ نجد ويدعنا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني إنما فعلتُ ذلك لأتألفهم)، فجاء رجلٌ كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: (اتق الله يا محمد)،

 قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يُطع الله إن عصيته؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟)، ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يُجاوزُ حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرقُ السهمُ من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) رواه مسلم (1064).

قال المُبرّد في الكامل (3/920): (قوله صلى الله عليه وسلم من ضئضئ هذا أي من جنس هذا)

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج أقوام على شاكلة هذا الرجل وصفته ومنهجه في الغلو والجهل.. وليس معناه أنه سيخرج أقوام من صلبه ونسله، بل الخوارج ليس من نسله وصلبه، ولكن الشبه في الاعتقاد والفهم السقيم والغلو، وقد تكرر خروج هذه الفرقة المارقة في عصور مختلفة إلى زماننا هذا، وعانى المسلمون قديما وحديثا من هذا الفكر الدخيل والبعيد عن الدين، وعن الفهم السليم.

 

والغلو في الدين فتنةٌ عظيمة حذّر منها الله عزّوجل في كتابه العزيز:

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ (النساء 171).

وجاء عن كعب الأحبار أن الغلاة خرجوا على نبي الله داود عليه السلام في زمانه، ولذا حذّر النبيُ صلى الله عليه وسلم أمته قائلا:

(إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) صحيح النسائي (2/640).

 

وعند استقراء النصوص الشرعية في ذمهم نجدُ أنهم من أخطر الفرق، وأشدها فتنةً وفتكاً بالناس، بل لم يرد توعداً ووعيداً مالم يرد في غيرهم من الفرق بل الملل، فقد جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم:

(لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).

وجاء في الصحيحين أيضاً: (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً).

وجاء عند مسلم: (هم شرُ الخلق والخليقة).

 

وهذه الفرقة المارقة المذمومة والمُتوعدة بأشد الوعيد ليست من الماضي فحسب، بل هي بين الماضي والحاضر، وهي تتواجد حاليا وتنتشر بين أبناء المسلمين وفي أغلب البلدان!!

وللأسف.. أن حالهم في هذا الزمان اختلط على كثير من الناس، فأيدوهم وناصروهم بالمال واللسان والإنسان، ووصفوهم بُهتاناً وزورا بالمُجاهدين، جهلا من بعضهم.. ووسياسة وخُبثاً من البعض الآخر وأعني الأحزاب والجماعات ..!!

 

وفي هذه السلسلة ” الخوارج بين الحاضر والماضي” أُحاول بجهد المقل المتواضع بيان حالهم، وعلاقة فكر الماضي بالحاضر من حيث الفكرة، والأهداف، والشُبُهات، والصفات..

كشفاً لعوراتهم، وردا لشبهاتهم.. وتحذير المسلمين من خطرهم..

 

يُتبع في المقال القادم..