ذكر عن شيخ الاسلام ابن تيمية أنه ومعه بعض أصحابه على قوم من التتار وهم يشربون الخمر، فأراد أصحابه نهيهم فقال: “دعوهم، هؤلاء إذا سكروا سلم الناس من شرهم، وإذا أفاقوا أفسدوا”.. فهذه حالة من الحالات التي يكره فيها الأمر بالمعروف وإنكار المنكر؛ وذلك إذا ترتب زوال مصلحة أعظم من المأمور بها.. أو ترتب مفسدة أعظم.. ومثلها الحديث عن قضايا الفساد متى كان يحقق مفسدة أعظم، ومضرة محققة.. كالتي ظاهرها الخروج على السلطان وإثارة الفتنة.. فلا يجوز للنائب أن يتحدث بقضايا الفساد وهو لا يملك رؤية كيف يكون الإصلاح في القضايا فيما يتحدث به فيشغل الحكومة بأسئلته ومقترحاته بما هو تافه وشخصي أو يفتعل التأزيم ويكون جالبا لفتنة تقع بين الناس.. فذلك منهي عنه لأنه يحقق مفسدة أعظم.. ومثلهما الناشط السياسي أو الإعلامي الذي يحرض الناس في السوشيال ميديا والإعلام بحجة محاربة الفساد وهو ليس واليا للحسبة ولا مسؤولا مفوضا بالإصلاح، ومثله من ينقل وينشر عنه.. ومن يشهر ببلاده بدعوى حرية الرأي أو حماية حقوق الإنسان فيمكّن الأعداء الإضرار ببلاده.. بل وكذلك من يحدث الناس ويأمرهم بمعروف لم تتهيأ نفوسهم لقبوله.. فيحدث من الفتن ما الله به عليم.. فقد ورد في الأثر عن علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله.. فمن الإصلاح والصواب أحيانا السكوت عن منكر لمنع فساد أعظم كالذي نحن فيه اليوم من فساد تهييج الناس وجعلهم يسلكون مسلك الحزبيين والخوارج.. وتعطيل مصالح البلاد والعباد وتعريضهم الى خطر أعظم في ظل تداعيات إقليمية ووباء وعجز مالي.. لذلك ينبغي مراعاة حال المنكر وذيوعه وانتشاره، كي يقع إنكاره بما يناسبه كمّا وكيفا وحالا، فلكل مقام مقال ولكل حال فعال.



الكاتب: حجاج بو خضور