الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه، وبعد:

فإنَّ مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في جلسته الاستثنائية العاشرة، المنعقدة في مدينة الطائف يوم السبت  13/ 2/ 1417هـ استعرض حادث التفجير الواقع في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية يوم الثلاثاء 9/ 2/ 1417 هـ ، وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع وإصابات لكثير من المسلمين وغيرهم.

وإنَّ المجلسَ بعدَ النَّظر والدِّراسة والتَّأمل:

قرَّر بالإجماع ما يلي:

أوَّلًا: أنَّ هذا التفجير عمل إجراميٌّ بإجماع المسلمين، وذلك للأسباب الآتية:

1 – في هذا التَّفجير هَتْكٌ لحرُمات الإسلام المعلومةِ بالضَّرورة؛ هَتْكٌ لحرمةِ الأنفس المعصومة، وهَتْكٌ لحرمة الأموال، وهَتْكٌ لحرماتِ الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنِّين في مساكنهم ومعايشهم، وغُدوِّهم ورَواحِهم، وهَتْكٌ للمصالح العامَّةِ الَّتي لا غِنَى للنَّاس في حياتهم عنها. وما أَبشع وأعظمَ جريمةَ مَن تجرَّأَ على حرُمات الله وظُلْمِ عبادهِ وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم، فويلٌ له ثمَّ ويل له من عذاب الله ونقمته، ومِن دعوةٍ تحيطُ به، نسأل الله أن يكشفَ ستره، وأن يفضحَ أمره.

2 – أنَّ النَّفس المعصومةَ في حكم شريعة الإسلام هي: كلُّ مسلم، وكلُّ مَن بينه وبين المسلمين أمان؛ كما قالَ تعالى: «وَمَنْ يَقْتل مُؤمنًا متعمِّدًا فجزاؤُهُ جهنَّمُ خالدًا فيها وغَضِبَ اللهُ عليه ولعَنَه وأعدَّ له عَذابا عظيمًـا» [النساء: آية 93]. وقال سبحانه في حقِّ الذِّمِّيِّ في حكمِ قَتْلِ الخطأ: «وَإِنْ كان مِن قومٍ بينكم وبينهم مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسلَّمَةٌ إلى أَهلِه وتَحريرُ رَقَبةٍ مؤمنة» [النساء: آية 92].

فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قُتِلَ خَطَأً ففيه الدِّيةُ والكفَّارَةُ، فكيف إذا قُتِلَ عَمْدًا؟ فإِنَّ الجريمَةَ تكون أعظَمَ والإثمَ يكون أَكبَر، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قَتلَ مُعاهدًا لم يَرِحْ رَائحَةَ الجنَّة». [رواه البخاري في كتاب الجزية، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم، حديث رقم (3166)].

فلا يجوز التَّعرُّض لمستأمَنٍ بأذى؛ فضلًا عن قَتْلِه في مِثْلِ هذه الجريمةِ الكبيرة النَّكْراء، وهذا وعيدٌ شديدٌ لمن قَتَلَ مُعاهدًا، وأنَّه كبيرةٌ مِن الكبائرِ المتوعَّدِ عليها بعدمِ دخولِ القاتل الجنَّة، نعوذ بالله مِن الخذلان.

3 – أنَّ هذا العملَ الإجرامي يتضمَّن أنواعًا من المحرَّمات في الإسلام بالضَّرورة؛ مِن غَدْرٍ، وخيانة، وبَغْي، وعدوان، وإجرامٍ آثِم، وترويعٍ للمسلمين وغيرهم، وكلُّ هذه قبائحُ مُنكرَةٌ يأباها ويُبغضها الله ورسوله والمؤمنون.

ثانيًا: إِنَّ المجلس إِذْ يبيِّنُ تحريمَ هذا العملِ الإجراميِّ في الشَّرعِ المطهَّرِ، فإنَّه يعلنُ للعالم: أنَّ الإسلامَ بريءٌ من هذا العمل، وهكذا كلُّ مسلم يؤمنُ بالله واليوم الآخر بريءٌ منه، وإنَّما هو تصرُّفٌ مِن صاحب فِكْرٍ مُنحرِفٍ وعقيدةٍ ضالَّة، فهو يحمِلُ إثمَه وجُرْمَه، فلا يحتسبُ عملُه على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتابِ والسُّنَّة، والمتمسِّكين بحَبْلِ الله المتين. وإنَّما هو محضُ إفسادٍ وإجرامٍ تأباه الشَّريعة والفِطرة، ولهذا جاءَتْ نصوصُ الشَّريعة قاطعةً بتحريمِه، محذِّرةً مِن مصاحبةِ أهلِه، قال الله تعالى: «وَمِنَ النَّاس مَن يُعجِبُك قولُه في الحياةِ الدُّنيا ويُشهِدُ اللهَ على ما في قلبِه وهو ألَدُّ الخِصَامِ وإذا تَولَّى سَعَى في الأَرضِ لِيُفْسِدَ فيها ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ وَإِذَا قِيْلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخذَتْهُ العِزَّةُ بالإِثْمِ فحَسْبُهُ جنَّهمُ ولَبِئْسَ الـمِهَادُ» [البقرة: آية 204 – 206].

وقول الله تعالى: «إِنَّمَا جزاءُ الَّذين يحاربون اللهَ ورسولَهُ ويَسْعَون في الأرضِ فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّعَ أيديهم وأَرجلُهم مِن خلافٍ أو يُنْفَوا مِن الأرضِ ذَلك لهم خِزْيٌ في الدُّنيا وَلهم في الآخرةِ عَذابٌ عَظيم» [المائدة: 33].

ونسألُ اللهَ سبحانه وتعالى بأسمائِه الحسنى وصفاته العُلى أن يكشفَ سِتْرَ هؤلاءِ الفَعَلةِ المعتدين، وأَن يُمكِّن منهم، لِيُنْفِذَ فيهم حُكْمَ شَرعِهِ الـمُطهَّرِ، وأَن يَكفَّ البَأْسَ عن هذه البلادِ وسائرِ بلادِ المسلمين، وأَن يُوفِّقَ خادِمَ الحرمَيْن الشَّريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته وجميع ولاةِ أمورِ المسلمين إلى مَا فيه صلاحُ البلادِ والعباد وقَمْعِ الفسادِ والمفسدين، وأَن يَنصُرَ بهم دِينَه، ويُعلي بهم كلمَتَه، وأَن يُصلِحَ أحوالَ المسلمين جميعًا إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

هيئة كبار العلماء:

الرئيس:

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

محمد بن إبراهيم بن جبير

راشد بن صالح بن خنين

صالح بن محمد اللحيدان

د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

عبد الله بن عبد الرحمن الغديان

عبد الله بن سليمان المنيع

حسن بن جعفر العتمي

عبد الله بن عبد الرحمن البسام

محمد بن صالح العثيمين

محمد بن عبد الله السبيل

ناصر بن حمد الراشد