ليس الحكيم الذي يعرف الخير من الشر ولكن الحكيم من ميّز بين خير الخيرين وشر الشرّين.. ومن الحكمة وسلامة الفكر عند تناول موضوع مثل حرية التعبير والرأي أن يكون الدفاع عنهما بحدود وقيود، ولو كان خصمه من كان.. والناس في حدّ حرية التعبير تتفاوت ، فمنهم من يقيدها بالعرف والتقاليد والذوق العام، ومنهم من يقيدها بقوانين بلده، ومنهم من لا يقف بها إلا عند الاصطدام بحرية الآخرين، ومنهم من يقيّدها بقيد منع الفساد الأخلاقي.. ويكاد العقلاء أن يتفقوا على أن الحرية لابد من تقييدها بقيد، فالحرية بإطلاق لا تعني إلا الفساد بإطلاق! وإذا كان ذلك كذلك فكل أمة تقيد الحريات في مجتمعاتها بما يتناسب مع معتقداتها وأعرافها ومصالح شعبها وبيان الحق من الباطل بحرية وأمان.. والقيد المنصف في حرية التعبير هو ذلك الذي يكون قائم على فكر حصيف ومعتقد سليم لا يحكمه هوى أو مصلحة خاصة أو نظرة ضيقة.. هذه هي الحرية المنصفة وهي تلك التي جعلت العبيد من أمثال بلال الحبشي وصهيب الرومي أحرارا في الوقت الذي كانت أجسامهم لا تزال تحت سيطرة السادة يعبثون بها ويعذبونها كيف ما شاءت أهواؤهم وعنجهيتهم الجاهلية.. فمن يريد التعبير عن رأيه، عليه أولا أن يحرر نفسه من أهوائه، وعقله من جهالته وقلبه من أدرانه وضميره من سباته، وبقدر ذلك يكون التعبير عن حرية رأيه منصفا.. إذ كيف يدعي بعدالة وصواب حريته في التعبير وهو ليس حرا في نفسه وعقله ومن هو على فكر فاسد، ففاقد الشيء لا يعطيه.. فالحرية الذاتية والفكر السوي هما الأساس الأول للحرية عن حق التعبير عن الرأي.. والذين يطالبون بحرية التعبير كتعويض عن تدني مستوى الفكر وأسرى لعبودية أهوائهم هم أكثر من يسيء للرأي ويفسد الفكر..

للكاتب : حجاج بو خضور