مقدمة:

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011 وانهيار الاوضاع في سوريا بكافة مناطقها ومن كل جوانبها العسكرية والأمنية والاقتصادية الى مستوى متردي جدا، وغير مبشّره بتحسن أو انفراجة قريبة، وبات حكم الأمر الواقع في كل منطقة، هو العنوان لتفاصيل ومقاليد الحياة فيها، بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي نشاطه الرسمي والعلني داخل الاراضي السورية وبدأ عبر المجموعات العسكرية التابعة له السيطرة على المناطق السورية وبخاصة ذات الغالبية التركية وفقا لاتفاق مسبق مع النظام السوري، ومع دخول حزب العمال الكردستاني عبر ذراعه السوري PYD مرحلة جديدة من النشاط والعمل في سورية، عمد الى توسعة المظلّة الكردية وتحويلها الى ما بات يطلق عليه حركة المجتمع الديموقراطي ” TEV-DEM ” ّ في محاولة منه لجعلها أكثر مرونة وانفتاحا على بقية المكونات المجتمعية ولطمأنة الاغلبية العربية وبقية المكونات المجتمعية المتواجدة في منطقة شمال شرق سوريا تجاه مشروع الحزب وايضا عرقلة جهود الاحزاب والمؤسسات والهيئات الثورية التي نشطت مع بداية الثورة السورية.وفي بدايات 2013 أعلن كل من حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي عن مشروع “الإدارة الذاتية الديمقراطية المؤقتة”، ليتم تأسيس 3 مجالس تشريعية وتنفيذية في 3 مناطق هي “الجزيرة، كوباني، عفرين”، بغية تحقيق اكبر وصول لداخل المجتمعات في المنطقة وقطع الطريق على اي مشروع آخر في المنطقة سواء من قبل أطراف أو قوى كردية أخرى أو من المكونات الاخرى في المنطقة.

ومع تأسيس التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” في أيلول 2014، قدم حزب الاتحاد الديمقراطي وحدات الحماية الكردية كشريك رئيسي لمحاربة الارهاب بديلا عن فصائل المعارضة والتي رفضت اغلبها محاربة التنظيم في ذلك الوقت، ولكن ووفقا لتعليمات ومصالح استمرار هذه الشراكة كان لزاما على حزب العمال الكردستاني ممثلا بجناحه السوري اشراك بقية المكونات في المنطقة وعليه تم تاسيس وحدات حماية الشعب الكردي “قسد” في تشرين الثني 2015 مع مشاركة شكلية لفصائل من مكونات أخرى عربية وسريانية وتركمانية، وبعد تاسيس قسد وتحديدا في كانون الاول 2015 وجه حزب الاتحاد الديمقراطي دعوات للعديد من الكتل والاحزاب والهيئات السياسية والموالية لمشروع الحزب من أجل تأسيس “مجلس سورية الديمقراطية “مسد” ليكون غطاء سياسيا للحزب ومشروعه، ولتفعيل دور “مسد” ومحاولة إخفاء أي روابط تصله بحزب العمال الكردستاني ، قامت حركة المجتمع الديمقراطي وفي مؤتمرها السنوي الثالث المنعقد في بلدة رميلان بتاريخ 17 آب 2018، باعلان إلغاء صفتها ونشاطها السياسَّيين وتحُّولها إلى إطار ومظّلة لمؤسسات المجتمع المدني، ومع اقتراب قوات التحالف الدولي من القضاء على تنظيم “داعش” بادر “مسد” في مؤتمره السنوي الثالث المنعقد في بلدة عين عيسى عام 2018 باعلان مشروع “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سورية”، الذي يضم الإدارات التي أسسها الحزب سابقا ً في مناطق سيطرته موزعة على سبعة “أقاليم” هي الجزيرة ودير الزور والرقة ومنبج والطبقة والفرات وعفرين، فيما يبدو أن ّ حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري أرادا إعادة تعريف مشروع “الادارة الذاتية الديمقراطية المؤقتة” لتصبح “الادارة الذاتية الديمقرطية لشمال وشرق سورية”، من أجل ضمان استمرار الشراكة مع التحالف الدولي، بحيث يتم تقديم الخدمات لكل المناطق التي يتم فيها القضاء على تنظيم “داعش”، لا سيما وأن التحالف الدولي كان يؤكد تباعا على أن أحد ابرز أهدافه في سورية بعد القضاء على داعش تحقيق استقرار المنطقة اقتصادياً واجتماعياً.

كما حرص الحزب على دعم مشروع الادارة الذاتية عبر إشراك هيئات وأحزاب وحركات تابعة له في لجنة صياغة هذا العقد كحزب الاتحاد الديمقراطي ِضمن قائمة الاحزاب السياسية وحركتي الشبيبة الثورية والمرأة الشابة ضمن قائمة “الشبيبة” وحركة المجتمع الديمقراطي ضمن قائمة “المجتمع المدني” إضافة لاعضاء وشخصيات أخرى تابعة أو موالية للحزب ومشاركة في هذه اللجنة كوجهاء أو مستقلين أو ممثلين عن مؤسسات أو مجالس أو هيئات تابعة للدارة الذاتية.

خريطة السيطرة:

أفضت هزيمة تنظيم “داعش”، في أواخرعام 2017 ،إلى اقتسام منطقة شمال شرق سورية بين القوى المتصارعة فيها، و في الوقت الذي يعكف كل طرف على تنفيذ مخططاته ومشاريعه في مناطق نفوذه، تتمزق الكتلة العربية، صاحبة الارض تاريخياً والتي تعد ً أكثر من ثلثي عدد السكان، بين مناطق النفوذ، وفاقدة للرؤية والفاعلية والوحدة، ً بعد أن كانت من ابرز المجتمعات المتماسكة، وتوزعت السيطرة وفق التالي:

• تسيطر قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية، على مناطق شرق نهر الفرات وشماله، من الحدود التركية إلى ً الحدود العراقية شرقا، مع نتوءين في كل من منبج والطبقة، حيث عبرت تلك القوات النهر وبسطت سيطرتها، حيث تهيمن الوحدات الكردية على معظم المراكز الحضرية الرئيسة في منطقة شمال شرق سورية، وهي مدن القامشلي والرقة والطبقة ومنبج وتل أبيض وعين العرب وعامودا والدرباسية والشدادي والصور والبصيرة وغيرها، في حين تقتسم السيطرة على مدينة الحسكة مع قوات النظام وبعض الميليشيات المحلية التابعة، وتتضمن مناطق سيطرة “قسد” نحو 60 % من آبار النفط والغاز في سورية، إضافة إلى نحو 80 % من المناطق القابلة للزراعة

• تسيطر قوات النظام السوري والميليشيات الايرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات من منبج إلى البوكمال ” مدن دير الزور والميادين والبوكمال”، مع بعض النتوءات شمال النهر عند بلدة حطلة، و تحافظ على وجود لها في مركزي مدينتي الحسكة و القامشلي.

• لايزال تنظيم “داعش” يسيطر، حتى تاريخه، على بلدات شمالي نهر الفرات إلى الشرق من دير الزور، و جيبين كبيرين في الصحراء أحدهما شمال النهر على الحدود العراقية، والآخر جنوب النهر بمحاذاة مناطق سيطرة النظام، ولم يَعُدْ لتنظيم “داعش” أيّة سيطرة عسكرية مطلقة على الأرض السورية منذ شباط 2019، لكن انتهاء السيطرة العسكرية المطلقة للتنظيم لم تمنع عودةَ خلاياه للنشاط ضد قوات النظام والقوات الروسية والإيرانية الموالية له، وخاصة في البادية السورية، فقد تمَّ رصد نشاط التنظيم بعمليات عسكرية في منطقة “السعن” و”جبل البشري” و”خناصر” ومنطقة “السخنة” وفي محيط مدينة “تدمر”، وفي الريف الجنوبي لمحافظة “دير الزور”، إضافة لبعض العمليات في مناطق سيطرة “قسد” شرق الفرات، ورغم الإعلان عن القضاء على “داعش” إلا أنّ مخالب التنظيم لا تزال موجودة في البادية السورية، ويشن شهرياً عشرات الهجمات على مواقع للنظام وأخرى لـ “قسد”، ويرسل المفخخات إلى مناطق نفوذ “هيئة تحرير الشام” في إدلب، و”الجيش الوطني” في ريف حلب، ضمن عمليات عسكرية محددة غير مركزية تقوم على خطة “الذئاب المنفردة”، التي تضرب وتهرب، مع استمرار واشنطن في عملياتها الأمنية ضد خلفائه وخلاياه ومواقعه الخفية.

• في حين تسيطر قوات درع الفرات ( قوات المعارضة) المدعومة من تركيا على بلدة جرابلس ونواحيها؛ نقطة دخول نهر الفرات إلى سورية، إضافة إلى منطقة الباب، و منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وتقوم إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا، وفق نظام المجالس المحلية؛ التي تتحكم بمختلف مناحي الحياة الخدمية

أبعاد وأهداف أطراف الصراع في المنطقة:

كانت منطقة شمال شرق سورية ترفد الاقتصاد السوري بنحو نصف موارده، ففيها “42 %من المساحة القابلة للزراعة، وتنتج 58 %من إجمالي محصول القمح، و78 %من إنتاج محصول القطن و72 % من محصول الذرة الصفراء، و تضم نحو 41 %من عدد رؤوس األغنام نسبة إلى كامل القطيع السوري، وتنتج آبار النفط فيها 360 برميل يوميا، أي نحو 95 %من كامل اإلنتاج السوري.

يتطلع النظام إلى استعادة الاراضي الواقعة تحت سلطة الاكراد، حيث الثروات التي لن يتمكن من سد احتياجاته الاساسية من دونها، أو عقد صفقة مع الجارة الكبرى تركيا التي يمكن أن تقايض موقفها المناوئ له بإنهاء مشروع الاقليم الكردي، و مع وجود الحماية الامريكية يتعذر عليه القيام بعمل عسكري، لكن بإمكانه التلاعب بورقة التناقض القومي العربي – الكردي، وهو لهذا يحتاج إلى العنصر العربي المحلي الذي يتم استقطابه عبر وكلائه المدنيين والحزبيين، ويجري ذلك بالتوازي مع عمل إيراني على المحور ذاته؛ إذ تنشط خلايا تابعة للحرس الثوري في محافظة ً الحسكة تحديدا، لانشاء حاضنة موالية لايران على هذا الممر الاجباري بين مناطق نفوذها في العراق وسورية؛ و ذلك عبر دعم مجموعات عربية وثيقة الارتباط بإيران، ويعتبر مطار القامشلي الذي يسيطر ً عليه النظام، والذي يضم مقرا لحزب الله والحرس الثوري، مصدر الدعم والقرار لجماعات كثيرة متباينة. و يعد الحاج “جواد” الضابط في الحرس الثوري، المسؤول المباشر عن تمويل مختلف تلك المجموعات وتدريبها، مثل قوات الدفاع الوطني التي يقودها الشيخ “محمد الفارس” من قبيلة طي التي اصطدمت مع القوات الكردية في عدة مناسبات، وقوات الصناديد من قبيلة ً شمر التي تتلقى دعما من الاكراد، في حين تربط قائدها الشيخ “حميدي دهام الجربا” بطهران علاقات تاريخية؛ إذ كان يقود إليها وفودا عشائرية سورية منذ تسعينيات القرن العشرين، أما موسكو التي تمسك العصا من المنتصف، فهي و إن كانت تعارض تقسيم سورية، فإنها تدعم نظام حكم لا مركزي؛ أي إنها تدعم سيادة حليفها الاسد على سورية، في حين تمنح الاكراد مسافة عنه، يخضع مقدارها للتفاو ض مع الروس وبضمانتهم، و يتعامل الاكراد إيجابياً مع هذا الطرح بدون اقراره، فقد سافر قائد وحدات الحماية “سيبان حمو” إلى موسكو مؤخراً تلبية لدعوة وجهتها إليه وزارة الخارجية الروسية، وكانت الوحدات التي يقودها قد شاركت القوات الروسية في غرفة عمليات مشتركة في دير الزور، ولكن تصطدم طموحات الاكراد إلى إرساء سلطة فدرالية تكون لهم فيها اليد العليا في شمال سورية، بالجغرافيا والديموغرافيا؛ ذلك أن معظم الاراضي يشغلها العر ب، فضلاً عن أن عدم احتواء هذه المناطق سيتسبب بتقليص المجال الحيوي للمشروع إلى حدود تجعله غير قابل للحياة، ومعاداة العرب الذين يستحيل أن يصنع معهم خط حدود واضح سيجعلهم عرضة لاستنزاف طويل المدى، ماجعل الادارة الكردية تعمل اليوم على نوع من العقد الاجتماعي، يقدم فيه الأكراد جزء من ثروة المنطقة التي يسيطرون عليها للعرب عبر الخدمات والتوظيف، مقابل الخضوع السياسي، ويتم تأهيل كوادر مدنية وإدارية وسياسية عربية مرتبطة بهم، مع استيعاب لبعض القوى العسكرية، على أن تحافظ كل تلك القوى المستقطبة المدنية والعسكرية على صيغ عشائرية وقبلية تمنع تجمعها، لكن هذا المسعى الكردي يصطدم أيضاً بالسقف الأمريكي الذي يحدد في الحقيقة سقف طموحات الأطراف كافة، واعلان الادارة الامريكية مؤخراً عن تشكيل جيش قوامه 30 ألف ، لم يلق ً ترحيبا ً كبير لدى الاوساط الكردية؛ لأنه يخضع “قسد” للادارة الامريكية المباشرة، على الجزء العربي منها على الاقل، ويعيد هيكلتها وفق المتطلبات الامريكية. وتلحظ خطة إعادة هيكلة القوات التابعة للولايات المتحدة أن تكون قوات الشرطة والامن في كل منطقة من السكان المحليين، و بإشراف أميركي مباشر في المناطق العربية. بل إن هذه الخطة تشمل القوات الامريكية المتمركزة في غرب العراق الذي يؤلف مع شرق سورية حوض النشاط الجهادي الابرز في المنطقة، والذي تستطيع الادارة الامريكية، من خلال حلولها فيه، أن تطل على دائرة كاملة من القوى والنزاعات والمصالح الاقليمية، من إسرائيل ولبنان غرباً إلى العراق و إيران شرقاً، إلى تركيا والاكراد شمالاً الى الخليج والاردن جنوبا. وتستطيع أيضاً الحد من النفوذ الروسي في المنطقة من خلال منع موسكو من فرض حلها أو رؤيتها هناك.

في حين تواجه تركيا التي يشغلها خطر قيام كيان كردي في سورية تحد ً كبيرا في منطقة شمال شرق سورية؛ ذلك أن الاكراد حتى لو خسروا الغطاء الامريكي لسبب ما، فإن أمامهم طهران و موسكو. لذلك تعمل على إنشاء أدواتها الخاصة للتأثير في تلك المنطقة من الداخل، وهي ترعى نحو مليون مهاجر من منطقة شمال شرق سورية، وتستقطبهم لاستثمارهم لاحقاً عند عودتها أو حتى دفعها إلى العودة إلى ميدان الصراع. و في إطار إجراء آني تدرب المزيد من المقاتلين من أبناء منطقة شمال شرق سورية، ضمن ما يسمى قوات درع الفرات التي تتألف قوى النخبة فيها من مقاتلين من دير الزور؛ العمق الاستراتيجي العربي للمنطقة

تحت هذا المشهد، تكمن التنظيمات الجهادية، خاصة “داعش” الذي عاد من شكل الدولة إلى شكل التنظيم السري المتغلغل في الشبكات القبلية في انتظار اللحظة الملائمة؛ ذلك أن حجم الحضور الايراني في المنطقة لا يسعفها لاطلاق صراع مذهبي، خاصة أن المنطقة لا تعرف هذا النوع من الانقسام؛ لعدم وجود حضور شيعي كبير فيها، واللحظة المنتظرة هي تفجر صراع قومي بين العرب والاكراد، يدخل “داعش” في خطه بإهاب قومي عربي

السيطرة والادارة:

اتبع النظام و حلفاؤه الروس تكتيك الارض المحروقة في تقدمهم؛ وأدى ذلك، إضافة إلى الخشية من انتقام قوات النظام، إلى فرار معظم السكان إلى مناطق سيطرة “قسد”، وغادر الجيل الشاب بغالبيته الساحقة هربا من التجنيد الاجباري، ولايوجد الآن في مناطق سيطرة النظام سوى السكان الذين لم يكن لهم أي نشاط سياسي في المراحل السابقة، أو الموالين له أصلا، وتم تعيين عسكري أو قيادي بعثي سابق على رأس مجموعة مسلحة في كل بلدة، وأوكل أمر النواحي الخدمية إلى موظفين سابقين ما زالوا مرتبطين بالنظام و لا خيار آخر لهم إلا قبول الأمر الواقع، أما من الناحية السياسية، فتم اعتماد المرجعيات العشائرية الموالية ّ وقيادات بعثية محلية ممثلين للسكان، مهمتهم التوسط في عمليات “تسوية الوضع” الذي ّ يؤمن استسلام معارضين وثوار سابقين، وتظهر سياسات النظام عموما بعدم اكتراثه للسكان، ولا يهتم سوى بالسيطرة على الأرض ومن يثبت سلطته فيها، وينصب اهتمامه على المراكز الحضرية، ومن غير المحتمل أن يعتني بالمناطق الريفية الشاسعة؛ ً نظراً إلى انحسار قدراته، وكم المشاكل المتراكمة في ما بات يعرف بـ “سورية المفيدة” التي يعتمد عليها في تثبيت سلطته، و لم تبد القوات الروسية والايرانية الموجودة في المنطقة بدورها اهتماما بالسكان، باستثناء حالة خاصة في بلدة ً حطلة التي استطاعت إيران تشييع عدد من سكانها نهاية القرن الماضي، وجعلتها مقراً لدعايتها، وفي بداية الثورة السورية، كان عدد هؤلاء بضع مئات، حاول النظام تسليحهم وتجنيدهم؛ فهاجمتهم فصائل من المنطقة وطردتهم، وقد عبرت الميليشيات الايرانية نهر الفرات إلى المناطق التي يفترض أنها من حصة “قسد” لتبسط السيطرة على البلدة وتطرد سكانها، وتسلمها لاتباعها.

أما الوحدات الكردية فتدير مناطقها عبر مجموعة كبيرة من المؤسسات على رأسها حركة المجتمع الديمقراطي DEM-TEV ،المؤلفة من عدة أحزاب كردية أبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD. وقد أتاح تنظيم الأكراد لقواهم السيطرة على الكتلة العربية التي تقدر بأكثر من ضعفي عدد الاكراد، وبفضل احتكار إنتاج الثروة النفطية وتوزيعها والمساعدات الدولية وإيرادات الضرائب ومعبر سيمالكا مع العراق، تمكن الاكراد من توفير الموارد اللازمة لادارة المنطقة وربطها بهم؛ بحيث تسند الوظائف وتقدم الخدمات على نحو يضمن ولاء المستفيدين كاملاً، أما التنظيم العسكري، فقد تمكن بفضل مركزيته من تحقيق المهمات التي تصدى لها؛ ما أقنع القوى الغربية بالاعتماد عليهم في الحرب ضد “داعش”، وقدمت لهم الادارة الامريكية غطاءً عسكرياً وسياسيا ً ودبلوماسياً، لضمان استمرار المنظومة التي أقاموها في مواجهة خصومهم الاقليميين، مع ذلك، وتحسبا لجميع الاحتمالات، يحافظ الاكراد على شبكة علاقات بديلة مع كل الأطراف المؤثرة ” ماعدا تركيا”، وتتألف مناطق الادارة الذاتية من ثلاث وحدات إدارية تدعى مقاطعات: هي الجزيرة (القامشلي والحسكة)، والفرات )عين العرب وتل أبيض) وعفرين والشهباء، و يطمح الاكراد إلى استبدال هذه الادارة بما يعرف بفدرالية شمال سورية، لتضم بقية المناطق المسيطر عليها؛ وهي منبج والطبقة والرقة ودير الزور، ويرجع القرار النهائي لكل تلك القوى الى جبال قنديل (شمال العراق) مقر القيادة التاريخية لحزب العمال الكردستاني PKK ،و التي تنظم وتنسق حراك مختلف هذه المؤسسات عبر وكيلها الحصري حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، في حين يعزو القائمون على تلك المؤسسات عدم وجود سلطة مركزية إلى كون السلطات منبثقة من الشعب وتمّثل فئاته المختلفة، لا تواجه الادارة الكردية مشاكل تذكر في مناطق الغالبية الكردية التي تنعم باستقرار نسبي، وينصب اهتمامها اليوم على تنظيم الادارة في دير الزور والرقة، ذات الغالبية العربية المطلقة، وتلاقي جهودهم الحثيثة في مجال إعادة تأهيل ً تلك المناطق وتخديمها ارتياحا لدى السكان العرب الذين تدنت ظروف حياتهم وشروطها إلى درجة الانهيار الكامل، كما أنه لم تنتهي عمليات تأهيل حقول نفط شمال دير الزور الغنية، والتي يتوقع أن تعطي الاكراد مزيدا من القدرة، في حين تستمر عمليات الانتاج والتوزيع في منطقة الجزيرة العليا بوتيرة ثابتة، ويباع قسم كبير من النفط المنتج بأسعار مقبولة للنظام السوري، وفي مناطق سيطرة المعارضة، وتستثمر العوائد على نحو رواتب للعسكريين والموظفين والتخديم، وتحصل قطاعات واسعة من أكراد المنطقة على عوائد مجزية من إيرادات النفط على شكل رواتب، مثل عوائل القتلى في العمليات العسكرية، والاحزاب السياسية المنضوية في تحالف القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) والمنخرطين في النقابات والمؤسسات المختلفة، كما يتم توزيع الوقود على كل السكان بأسعار تقل بنحو 70 في المئة عن سعر السوق.

العلاقة بين حزب العمال والادارة الذاتية

يقوم حزب العمال الكردستاني بإدارة علاقته بالادارة الذاتية عبر عدة ادوات وفي عدة مستويات أهمها:

– الهيئة الرئاسية ونواب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للادارة الذاتية، وتتالف هذه الادارة من مجلسين هما المجلس العام الذي يمثل البرلمان ومجلس الشعب والمجلس التنفيذي أو مجلس الوزراء، ويضم المجلس التنفيذي 9 هيئات و6 مكاتب ودائرتين ، ويشغل مناصب رئاسة هذه الوحدات أشخاص مستقلون أو قياديون حاليون أو سابقون في حزب الاتحاد الديمقراطي أو مؤيدين لمشروعه، ونظراً لعدم وجود آلية رسمية أو قانون انتخاب خاص باإلدارة الذاتية فان عمليات اختيار وتعيين رؤساء ومسؤولي هذه الوحدات تتم عبر التعيين المباشر من هيئة رئاسية ِضمن الادارة الذاتية، ُوتعتبر هذه الهيئة المحرك الحقيقي والمشغل الاساسي للادارة الذاتية وانشطتها واعمالها، فيما يتم تعيين جميع أعضائها من قبل حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ومعظمهم قياديون سابقون أو حاليون في PKK أو في حركة المجتمع الديمقراطي.

– شبكة كوادر حزب العمال الكردستاني في كافة المقاطعات “المستشارون”: وهم عبارة عن الكوادر القياديين التابعين له، والذين يتوّلون مسؤولية المجالس المدنية المحلية التابعة للادارة الذاتية، فيما يتبع كَّل مستشار في المقاطعة عدد ٌ من الكوادر الذين يديرون القطاعات الامنية والعسكرية والاقتصادية والخدمية، وتقوم هذه الشبكة وأعضاؤها بإدارة المناطق والقطاعات بشكل كامل عبر إصدار القرارات الامنية والعسكرية والاقتصادية الخاصة بها عبر ادارة وتعيين وفصل وتزكية رؤساء ومسؤولي قطاعات.

وبالرغم من صعوبة التعامل مع حزب العمال الكردستاني والادارة الذاتية كجسمين منفصلين بحكم طبيعة ومستوى العلاقة بين الطرفين إلا أنه يمكن الحديث عن سنايوهات ومآالات محتملة لتطور العلاقة بينهما:

1. حفاظ الطرفين على العلاقة الثنائية بشكلها الحالي، مع غياب الحل السياسي السوري، مما قد يشكل تهديد لمشروع الادارة الذاتية ويجعله في خطر دائم على الصعيد الخارجي والداخلي، للاسباب التالية:

a. استمرار العلاقة بين الادارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني المدرج ضمن قوائم المنظمات الارهابية لدى معظم الدول وعلى راسها الولايات المتحدة وتركيا واوربا سبيقي كلا الطرفين ضمن دائرة الاستهداف من قبل هذه الدول وبشكل كبير من الجانب التركي، مما يرجح تكرار سيناريو تنفيذ عمليات عسكرية لطرد الحزب من مناطق أخرى، وبالتالي تفكك الادارة في تلك المناطق وايضا تقويض تدريجي لسيطرة حزب العمال فيها وتراجع اهمية مشروع الادارة الذاتية بالنسبة له، وهو مايخدم النظام السوري بالدرجة الاكبر

b. ان استمرار سيطرة حزب العمال على الادارة الذاتية قد يؤثر على شراكته القائمة مع قوات التحالف الدولي عبر ( قسد – مسد والادارة الذاتية) لأن ّ هذه السياسات وما ينتج عنها باستمرار من انتهاكات متمثّلة بالتغيير الديموغرافي والتجنيد الاجباري والاعتقال التعسفي والتغيير الثقافي القسري وأزمات أمنية ومعيشية واقتصادية تشكل عائقا حقيقيا أمام نجاح مهمة التحالف الدولي في المرحلة الحالية في سوريا والمتمثلة في دعم التعافي والاستقرار المحليين في المناطق التي تم فيها القضاء على داعش لضمان عدم عودته اليها، مما قد يضطر التحالف الدولي الى حصر مشروع الادارة الذاتية في المناطق ذات الاغلبية الكردية في محافظة الحسكة وايجاد آلية جديدية لحكم وادارة المناطق ذات الاغلبية العربية، والتي تشهد المستوى الاعلى من حالة عدم الاستقرار كدير الزور ومنبج والرقة لضمان مشاركة حقيقية لمكونات تلك المناطق في ادارتها وبما يؤدي لتحقيق الاستقرار فيها.

2. فك الارتباط بين الحزب والادارة الذاتية: قد يكون هذا السيناريو هو الاصعب من ناحية التنفيذ لعدم وجود مؤشرات تؤكد احتمالية تحققه، إلا أنه لا يمكن النفي المطلق لامكانية حصوله كنتيجة لدعم وضغط دولي حقيقي لانجاح المفاوضات ” الكردية -الكردية” أو فتح مسار تفاوضي حقيقي بين الادارة الذاتية والمعارضة السياسية السورية، بحيث تفضي هذه المفاوضات أو هذا المسار التفاوضي الى الزام الادارة الذاتية بتحييد دور حزب العمال الكرديتاني وتحكمه بسياساتها وتقويض دوره وسلطته في مناطق سيطرتها مما يتيح لها فرصة اعادة بناء نفسها بما يتلائم مع مشروع المعارضة السورية أو المجلس الوطني الكردي.

الواقع الامني:

تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” على منطقة شرقي الفرات ومناطق غربي النهر، أي ما يشكل نحو ثلث سورية، ومن الملاحظ أن الفلتان الأمني يبدو أقل في المدن والبلدات ذات الأكثرية الكردية من السكان، تحديداً في عين العرب، وفي عموم محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي للبلاد، التي لا يزال النظام يحتفظ بوجود عسكري وأمني وخدمي في بعض أجزائها، ويبقى مخيم الهول في ريف الحسكة، الذي يضم عائلات مقاتلين من تنظيم “داعش”، النقطة الأكثر سخونة في منطقة شرقي نهر الفرات، مع تحوّله إلى بؤرة للجريمة المنظمة والاغتيالات، وسبق لقوات “قسد” أن أوقفت عشرات الأشخاص من القاطنين في المخيم، عقب حملة أمنية واسعة النطاق شارك فيها خمسة آلاف عنصر من “قوات سورية الديمقراطية”، والشرطة الداخلية التابعة للإدارة الذاتية (الأسايش)، في وقت تواصل خلايا تنظيم “داعش” عملياتها في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، والمتمثلة بشن هجمات مسلحة وتنفيذ اغتيالات بأشكال مختلفة كإطلاق الرصاص والقتل بأداة حادة وزرع عبوات ناسفة وألغام، بالتزامن مع حملات أمنية لقوات سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي محاولةً الحد من نشاط التنظيم وخلاياه في مناطق سيطرتها، و لكنها قسد تتهم بإهمال الجانب الأمني بالرغم من ذلك بشكل مقصود وممنهج في مناطق ديرالزور والرقة من خلال غضّ الطرف عن عناصر تنظيم داعش المتوارين عن الأنظار والمتواجدين في المنطقة، ومنهم قيادات في التنظيم، قامت هذه العناصر بتجميع نفسها وترتيب صفوفها وتحويل طبيعة عملها من نظام الأفراد «الذئاب المنفردة» إلى العمل ضمن المجموعات، فقسد أطلقت العنان للتنظيم ليفعل فعلته بالمنطقة وأهلها لتكون قسد الرابح الأكبر وتكون شعوب المنطقة الخاسر الأكبر والأوحد في لعبة الصراع هذه.

ولا يزال الفلتان الأمني السمة الأبرز في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، خصوصاً في محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين، اللتين تكثر فيهما حوادث القتل ومحاولات الاغتيال التي تطاول وجهاء، في المقابل، تصرّ هذه القوات على أن خلايا من تنظيم “داعش”، ومجموعات مرتبطة بالنظام السوري، تؤدي الدور الأبرز في إبقاء الوضع الأمني مشتعلاً في المنطقة، بالاضافة الى الخلافات العشائرية التي تحصل من حين إلى آخر في المنطقة، دون ان تقوم قوات قسد ببذل جهداً كافياً لتطويق هذه الخلافات قبل تطورها اكثر، حسبما ذكرت مصادر محلية، مشيرة إلى أن هذه القوات تحاول البقاء بعيداً عن أي خلاف عشائري، خصوصاً أن المنطقة متميزة بكثرة عشائرها وتعدد خلافاتها وانقساماتها، ولكن الوعي الموجود لدى أغلب أبناء العشائر هو ما يمنع تطور أي نزاع، كاشفة أن شيوخ العشائر ووجهاءها “يتدخلون دائماً لوضع حد لأي خلاف خشية تمدده”.

كما أن النظام ومعه حليفه الايراني أدّيا دوراً مهماً في رسم خريطة الصراع والفوضى الامنية في المنطقة من خلال خلاياهما في المنطقة، فقد نفذوا عدة أنشطة وعمليات فيها لتحقيق أهدافهم محدثين نوعاً من الفلتان الأمني في المنطقة من خلال خلاياهم السرية والموالية لهما المتواجدة في مناطق شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة قسد.

على صعيد آخر تواصل ما يعرف بـ “الشبيبة الثورية” أو “جوانين شورشكر”، استقطاب القاصرين وضمهم لمعسكراتها، في انتهاك صارخ وواضح لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، فلا مطالبات الأهالي بإيقاف عمليات استغلال الأطفال وتجنيدهم لحمل السلاح ولا تلك المواثيق والاتفاقيات، استطاعت من الوقوف في وجه الشبيبة التي لاتزال تسرق الطفولة، حارمة الأطفال من حقهم في التعليم.

حال الكتلة العربية في شمال سورية:

وقع على كاهل السكان العرب الجزء الاكبر من عبئ الصراعات التي عصفت بمنطقتهم؛ فقد خسرت هذه الكتلة منذ بداية الثورة عشرات الآلاف من أبنائها بين قتيل ومفقود ومعاق نتيجة الاعمال القتالية، ثم تحملت عبئ سيطرة “داعش” الذي خرجت منه ممزقة، وهجر المنطقة نحو ثلث عدد السكان، خاصة الجيل الشاب الباحث عن فرصة عيش أفضل، فقد كانت محافظة دير الزور مركز الاقليم بشرياً واقتصاديا وثقافياً لكنها باتت اليوم اضعف بعد شطرها طوليا على امتداد نهر الفرات بين النظام و”قسد” و”داعش”، ومدينة دير الزور ذاتها مدمرة بنسبة تفوق 70 %، وانزاح مركز المدينة من الاحياء القديمة إلى حي طرفي أنشأه أبناء الريف قبل ثلاثة عقود، في حين تنقسم ولاءات أبنائها بين الامريكين والروس والنظام والاكراد والاتراك والايرانيين والجهاديين، وتتوزع مناطق إقامة أفراد الاسرة الواحدة أحيانا على جميع مناطق نفوذ هذه القوى، وتمتد إلى تركيا واوروبا والخليج العربي، فقبيلة العكيدات على سبيل المثال والتي تقطن منطقة جغرافية متصلة شرق دير الزور على ضفتي الفرات، و تعد نحو نصف مليون شخص في المحافظة، كانت تتمتع بوحدة اجتماعية متينة، وتحظى بزعامة مطلقة معقودة للشيخ “خليل الهفل” لكنها انقسمت اليوم إلى سكان يقطنون جنوب النهر، تحت سلطة النظام، ويقتسم ولائهم النظام السوري وإيران والروس، وعلى الضفة الاخرى شمال النهر، ينقسم ولاء السكان بين الاكراد والامركيين و”داعش”، ّ ولكل حيز زعامة محلية أو أكثر، وتتبع الأمريكيين قوتان عسكريتان من تلك المنطقة على الحدود الاردنية هما أسود الشرقية ومغاو ير الثورة، بينما ّ يشكل مقاتلون من الشعيطات عماد قوات النخبة التابعة لاحمد الجربا، المتمركزة في مناطق سيطرة الاكراد، ولا يزال عدد كبير من أبناء القبيلة في تنظيم النصرة في إدلب، بينما ينتظم آخرون في فصائل درع الفرات التابعة لتركيا، وفي تركيا أيضا يستقر قسم كبير من العائلات وشيوخ ووجهاء من القبيلة، اما الناشطون الثوريون والسياسيون والاعلاميون فجلهم هاجر إلى أوروبا، بينما يعيش شيخ القبيلة في الخليج العربي، وتعاني كل الكيانات العشائرية هذا التشتت، مترافقا مع انهيار اقتصادي؛ إذ لم يعد السكان قادرين على إدامة الدورة الزراعية، وحرمت المنطقة من كل أنواع الدعم الانساني بسبب هيمنة داعش، وعلى الصعيد التعليمي، منع “داعش” أنواع التعليم الحديث كافة، وقصره على التعليم الديني الذي هو في جوهره دعاية لايديولوجيته، وثمة اليوم عشرات اآلالف من المراهقين واالاطفال الذين لم يعرفوا شيئا عن العالم، سوى ما تعلموه في كنف التنظيم الذي حرمهم من كل وسائل التواصل والاتصال، من تلفاز وراديو وإنترنت وهاتف، وليس الوضع الصحي افضل حالا في ظل معدلات ولادة عالية تتسم بها المنطقة تاريخياً ، حرم الاطفال من التلقيح ضد الاوبئة والأمراض الخطيرة، و تم الاعلان عن الاصابة بأمراض وبائية كانت قد انقرضت، وأخرى ناجمة عن استنشاق أبخرة النفط الذي كرره “داعش” في عدد هائل من المصافي البدائية المنتشرة في كل مكان، إضافة إلى سموم الذخائر الحربية ومخلفاتها.

وتفتقد المنطقة أيضاً أي مكون سياسي، أو شخصيات سياسية فاعلة، تهتم بشؤونها وترعى مصالحها؛ فشيوخ القبائل منفصلون عن تلك القبائل فعلياً بسبب مواقفهم، مثل نواف البشير شيخ قبيلة البكارة الذي عاد إلى صفوف النظام بينما يقف معظم أبناء قبيلته على الضفة الاخرى، أو إنهم غير مؤثرين فعليا في مجتمعاتهم العشائرية. وشبيه بهذا حال الشيخ سالم المسلط، ممثل قبيلة الجبور في الائتلاف الوطني؛ إذ تقع الزعامة الفعلية للقبيلة في يد أبناء عمومته الباقين في الحسكة وسط القبيلة. وهو أيضا حال أحمد الجربا الذي تدين قبيلته شمر بالمطلق لزعيمها التاريخي حميدي الدهام الهادي الذي يلتف حوله أبناؤ ها ويسير شؤونهم على أرض الواقع في الجزيرة السورية، ولم تحظى القوة العسكرية الصغيرة التي انشاها تحت مسمى قوات النخبة بأي دعم من أبناء قبيلته، واقتصرت على بضع عشرات من أبناء قبيلة أخرى هي الشعيطات، تحافظ من خلالهم على وجود شكلي في قرية أم مدفع جنوب الحسكة من غير فاعلية تذكر، أما ممثلو المنطقة في تشكيلات المعارضة، فقد تم اختيار معظمهم منذ البداية وفق مصالح القوى المهيمنة على المعارضة، وليس وفق تمثيل حقيقي للسكان. ومعظمهم بلا خلفية اجتماعية داعمة، أو ليسوا من المجتمعات الاصلية للمنطقة، و ليس لهم أي عمق اجتماعي في النسيج القبلي. وبالنسبة الى نخب المنطقة السياسية والثقافية، خاصة تلك التي أفرزتها الثورة، فقد فرت إلى تركيا وأوروبا، منذ أصبحت الهدف الرئيس لـ “داعش” عند سيطرتها على مناطقهم، و من غير المحتمل أن يعودوا إلى مناطقهم، وغالبا سيستقرون ويذوبون في المجتمعات التي هاجروا إليها، تبدو الكتلة العربية فاقدة لقيادة تمثيلية فعلية، أو تنظيم سياسي/ اجتماعي .

خاتمة:

على الرغم من محاولات أطراف الصراع تطوير أدواتها وبسط سيطرتها في المنطقة،إلا أنها لا تزال غير قادرة على الوفاء بتعهداتها والتزاماتها ولا تملك القدرة للوصول للهدف المنشود، في ظل استمرار الحرب السورية وضعف اداء اطراف الصراع جراء الوضع الحالي، وغياب المركزية الأمنية والقيادية التي تحكم وتدير تلك المناطق، بالاضافة الى الفوضى، والتدخلات الاقليمية والدولية وغياب التفاهمات التي تنعكس على الواقع