مقال الشيخ خالد الحماد


(داعش نموذجاً)

تكلمتُ في المقالين السابقين عن تعريف الخوارج، وعن ألقابهم وبيان خطرهم على المجتمع وعلى الشباب، وفي هذا المقال سيكون الحديث عن صفاتهم، لمعرفة من هذه الفرقة المارقة، وما هي صفاتهم التي يتصفون بها؟

حيث أن كل الجماعات تتهرب من هذا الوصف، بل تتبادل تلك الجماعات تُهمة الانتماء إلى فكر الخوارج، حتى ضاعت الأوصاف، واحتار الناس بين تلك الجماعات، فأصبحت فرقة الخوارج بعيدة عن الجميع وكأنها مرحلة زمنية وانتهت، ومن هنا علينا أن نستذكر صفاتهم حتى نأمن شرَّهم، ونبتعد عن بدعتهم، ونُنقذ الشباب من الانجراف في زمرتهم وتكثير سوادهم.

صفات الخوارج

1/ حداثة السن:

جاء في وصفهم بأنهم حدثاء الأسنان كما في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ” إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فو الله لأن أخرَّ من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنَّ الحرب خُدعة، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سُفهاء الأحلام”. رواه البخاري.

والمراد بحدثاء الأسنان بحداثة العمر أي الشباب، وهو ما يغلبُ عليهم قديما وحديثا، ومعلوم ما يُصاحب هذا السن غالبا من قلة الوعي وقلة الفقه في الدين مع الحماسة والاندفاع الغير منضبط.

2/ التَنَطُّع والغلو في الدين:

عُرف عن الخوارج أنهم أهل عبادة وورع، وليس في أهل الأهواء أصدق، ولا أعبد منهم، وقد اشتهر عنهم كثرة عبادتهم، من صلاة وصيام وقراءة القرآن، وهم أكثر من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك كما وصفهم النبي ﷺ بقوله: “يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء” رواه مسلم

وبالغوا في هذا الأمر حتى وصل بهم الحال إلى الغلو والتَنطُّع والخروج عن سنة رسول الله ﷺ، لكن لما كان على غير الوجه المشروع أفضى بهم إلى المروق من الدين.

3/ قلة الفقه في الدين:

إن من أبرز سمات الخوارج قديما وحديثا هي قلة الفقه في الدين، وجهلهم في الكتاب والسنة، وهذا ما دفع بهم إلى الغلو والخروج والشذوذ في القتل والتكفير.

يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله في بيان بدعة الخوارج:

“إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، ولكن فهموا منه ما لم يدلُ عليه، فظنوا أنه يُوجبُ تكفير أهل الذنوب”.

قلتُ: وهذا ما فهمه خوارج عصرنا من الكتاب والسنة ومن كلام العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية هو تكفير جموع المسلمين وحكامهم وجيوشهم ووجوب الخروج عليهم، فوقعوا بما وقع به سلفهم الخوارج الأولون من سوء الفهم وقلة العلم!، وسيأتي ذلك تفصيلا حينما سيتم ذكر خوارج عصرنا.

4/ سوء الظن:

الخوارج قومٌ أساؤوا الظن بعباد الله المؤمنين، فصاروا يحملون أقوالهم وأفعالهم على أسوأ المحامل، ولا يثقون بأي مسلم على غير مذهبهم، بل يكرهون كل من خالفهم وربما سعوا في إيذائه والقضاء عليه.

ومما يدل على سوء ظنهم بغيرهم أن أولهم أساء الظن برسول الله ﷺ واتهمه في قسمته وعدله وأنه ما أراد بها وجه الله ﷻ.

5/ قتلهم من خالفهم من المسلمين:

عاث الخوارج فساداً في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخذوا يقتلون المسلمين على الشبهة وكل من يُخالفهم، حتى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد السير لمواجهة أهل الشام أشار عليه الناس أن يبدأ بقتال هؤلاء الخوارج الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، فإذا فرغ منهم ساروا معه إلى الشام وهم آمنون من شرّهم.

قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى:

“فاجتمع الرأي على هذا، وفيه خيرة عظيمة لهم ولأهل الشام أيضاً، إذ لو قووا هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً، لأن الناس عندهم قد فسدوا فسادا عظيما ولا يصلحهم إلا القتل جملة”.

6/ أصحاب خصومة وجدل:

الخصومة والمراء والجدل من سمات أهل البدع، وهذا مصداق قول النبي ﷺ: “ما ضلَّ قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل”. صحيح الجامع

وقد كانت هذه السِّمة ظاهرة في الخوارج، كما قال أبو العباس المبرد: “وكان في جملة الخوارج لدد واحتجاج، على كثرة خطبائهم وشعرائهم”.

ومشهورة معلومة مجادلاتهم للخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذلك في مناظراتهم لعبد الله بن عباس رضي الله عنه.

7/ أهل مفارقة وتفرق:

الخوارج أصحاب فُرقة، يفارقون جماعة المسلمين ويخرجون على الولاة، ويحدثون النزاع بين جماعة المسلمين، وقد قال فيهم رسول الله ﷺ: “يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية”. رواه البخاري

الخوارج مفارقون للمجتمع المسلم بأقوالهم وأفعالهم وعقائدهم …!!

يقول الحافظ بن كثير في البداية والنهاية عند ذكره لبدايات الخوارج:

“إن هؤلاء الجهلة الضلال، والأشقياء في الأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج بين أظهر المسلمين.. إلى أن قال: فخرجوا من بين الآباء والأمهات، والأعمام والعمات، وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يُرضي رب الأرض والسماوات، ولم يعلموا أن من أكبر الكبائر والذنوب والموبقات والعظائم والخطيئات وأنه مما يزين لهم إبليس وأنفسهم التي هي بالسوء أمارات”.

يُتبع…